تشكّلت الحكومة اللبنانية بعد انتظار دام لحوالي 26 يوماً لتكون حكومة العهد الأولى التي ستواجه تحدّيات كثيرة واستحقاقات بارزة، ولو أن عمرها سيكون قصيراً، لذلك من الضرورة القراءة في ما أنتجه رئيس الحكومة نواف سلام بالتعاون والإشتراك مع رئيس الجمهورية جوزاف عون.
نجح سلام بإزالة كل الألغام السياسية التي كان يُمكن أن تقطع طريق حكومته في المستقبل، ولكن خلال قيامه بهذا الأمر استبعد التيار الوطني الحر وتيار المردة والكتل السنية عن حكومته، وهذا ما يجب بحثه من ناحية موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون، وأسباب إقصاء التيار.
لا يمكن اعتبار الرئيس عون سوى شريك كامل مع سلام في تشكيل الحكومة، لذلك تطرح مصادر سياسية بارزة علامات استفهام واضحة حول سبب قبول رئيس الجمهورية باستبعاد التيار الوطني الحر والمردة، علماً أن التيار كان الفريق الوحيد الذي أعلن رفضه السير بتسوية انتخاب جوزاف عون للرئاسة، ولكنه الفريق الذي زار بعبدا خلال يوم الإستشارات النيابية الملزمة، ووقف على منبرها ليقول: "اليوم أبلغنا الرئيس أنّ موقعنا الطبيعيّ هو إلى جانب العهد داعمين لرئيس الجمهوريّة، وهذا موقف "التيّار الوطنيّ الحرّ" البديهيّ، ولأننا رأينا في خطاب القسم ما يشبهنا ونريد تطبيقه لذلك اخترنا نوّاف سلام، لأننا نرى فيه استكمالاً للتعاون مع رئيس الجمهورية".
رفض التيار الوطني الحر التفاهم مع نجيب ميقاتي لتسميته، ويُقال بحسب بعض المعلومات أنه رفض حصّة وزارية كبيرة لردّ الصاع صاعين للثنائي وتسمية نواف سلام، ليُفاجأ بعدها بأن الرئيس الذي تعهد التيار بأن يكون تياره لم يمانع استبعاده من الحكومة التي شكلها رئيس الحكومة الذي سماه التيار واعتبر تسميته "أملاً لجميع اللبنانيين".
بحسب المصادر السياسية فإنّ قرار استبعاد التيار كان أكبر من رئيسي الجمهورية والحكومة، فهو من الخارج، مشيرة إلى أن الإقصاء كان له وجه داخلي يتعلق بسياسته وتحالفاته القديمة وممارسته للسلطة في عهد الرئيس السابق ميشال عون، وله وجه خارجي يتعلق بالموقف الأميركي والسعودي، ولأن حاجة سلام كانت لطرف مسيحي وازن واحد لتأمين التغطية له كان التوجه نحو القوّات اللبنانية التي قبلت بتسمية غالبية الوزراء من قبل سلام وعون.
لا يمكن للمصادر أن تقرأ تخلّي الرئيس جوزاف عن رئيس التيار جبران باسيل بالأمر العابر، مشيرة إلى أن من كان يواجه سابقاً لأجل حصته الحكومية، أي حزب الله، لم يعد معنياً بمواجهة كهذه في هذه الظروف، مشدّدة على أن علاقة عون بالتيار ستصبح أسوأ مع الوقت، وكلما اقتربت الإنتخابات النيابية المقبلة، حيث قد يتحقق ما كان التيار والقوات اللبنانية يخشيانه بحال وصل جوزاف عون إلى الرئاسة، فالرئيس بات يمتلك شعبية كبيرة في الشارع المسيحي ولا شكّ انّها ستلعب دوراً في الانتخابات النيابية المقبلة.
من الطبيعي أن يسعى التيار اليوم لتحويل بقائه خارج الحكومة إلى نقطة قوّة، فهل ينجح ذلك أم أن إخراجه من الحكومة سيزيد من عزلته وخسارته الشعبية؟.