أشارت صحيفة "الشرق الأوسط"، في مقال بعنوان "سوريا يُخشى منها أو عليها؟"، إلى أنّ "دولة أحمد الشرع السّوريّة أكبر مساحةً اليوم من دولة بشار الأسد عندما سقطَ وسقطت. تحت إدارتِه نحو سبعين في المئة من البلاد، مستقرّة ولا تزال سوريا متشظّية. ففي شرقِها وجنوبها جيوبٌ خارجة على السّلطة، ووراء الحدودِ يوجد أعداء محتملون".
وأوضحت أنّ "أوّل التّحدّيات الأمنيّة للنّظام الجديد الانفصاليون. الفصيل الأكبر "قسد"، شرق الفرات، يسيطر على أكثرَ من خُمس مساحةِ البلاد. وفي جنوب غرب سوريا محافظة السّويداء الدّرزيّة، وكذلك القنيطرة، أقل انفصالًا. إسرائيلُ أعلنت أنَّها ضمن نطاقِها الأمني، في حين حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على القول إنَّه ليس ضدّ النّظامِ الجديد في دمشق".
وذكرت الصّحيفة أنّ "هناك محافظة درعا، تحت قيادةِ أحمد العودة، استجابَ لطلب الشّرع وخرج بقوّاتِه من دمشقَ مكتفيًا بالسّيطرة على محافظته. هذه الثّلاث مناطق الجنوبيّة الغربيّة الأرجح أنَّها خارج التّأثيرات الإيرانيّة. وفي اليوم الّذي تستطيعُ فيه دمشق تحسينَ خدماتها واقتصادها ستميلُ للانضواء تحت سلطةِ الحكومة المركزيّة. حاليًا لا يوجد هناك ما يدفعها لذلك".
وركّزت على أنّ "بخلاف التوقّعات، فإنَّ المنطقتَين الصّعبتَين اللّتين لم تتمرّدا هما محافظتا طرطوس واللاذقية، الثّانية سكانيًّا بعد دمشق، وفيها الرّوس والعلويّون. الطّائفة العلويّة حافظت على ارتباطها بدمشقَ، كما بذل الرّئيس الشّرع جهدًا واضحًا لبناء علاقة ثقة معها".
ولفتت في المقال، إلى أنّ "بشكل عام، نلحظ أنَّ سوريا استمرّت هادئةً رغم ضخامة التّغيير، وهو هدوءٌ الأرجح أنَّه قابلٌ للاستمرار مع واقعيّة سياسة الشّرع، الّذي يؤمن بإدارةِ الأزمات وفق الأولويّات"، مشدّدةً على أنّ "توحيد البلاد يتطلَّب ثلاثةَ إنجازات: هدوء الجبهات، والتّحسّن المعيشي، وثالثها عمليّة سياسيّة توافقيّة لإنهاء الانفصال والتّنازع على الموارد".
وبالنّسبة إلى الخطر الخارجي، اعتبرت "الشّرق الأوسط" أنّ "بعض دول المنطقةِ تخشى من سوريا الجديدة، وأنَّها قد تمثّل خطرًا وجوديًّا عليها، مثل العراق، أو على نفوذها مثل إيران. وسوريا الشّرع بدورها تتوجَّس من التَّدخلات الخارجيّة وتحديدًا الإيرانيّة. هذا الوضعُ سيتطلَّبُ وقتاً لمعرفة اتجاه الرّياح".
وبيّنت أنّ "الشَّك والرّيبة موجودان على الجانبَين، مع هذا أثقُ أنَّ معظم الدّول الإقليميّة مع حياكةِ ما تمزَّق في سوريا، ومع تمكين دمشق لحكمِ كامل البلاد، فاستقرارها يعزّز الاستقرار الإقليمي. ولهذا فإنّ احتواء الحركات الانفصاليّة من ضرورات الاستقرار، حتّى لا تصبحَ مصادرَ فتنٍ على سوريا وعلى جيرانها، العراق ولبنان وتركيا وإسرائيل والأردن. سوريا هي في قلب الأمن الإقليمي بحكم توسُّطها بين الدول السّت".
وأضافت في المقال، أنّ "سلطة دمشقَ تتخوّف من نيّة إيران، الخاسر الأكبر من سقوط نظام الأسد، خلق معارضة "سوريّة" لإسقاطها أو للضّغط عليها للتّعاون معها في نشاطاتها، ومن أبرزها فتحُ الممرّ السّوري للوصول إلى لبنان وإسرائيل".
وأفادت الصّحيفة بأنّ "الشّرع الّذي كرَّر تأكيداته على رغبته في علاقة جيّدة ورفض عودة النّشاط الإيراني، يجب ألّا يستهين به خصومُه. لديه المقدرة للدّفاع عن نظامه، وذلك بحكم خلفيّته السّابقة كقائد لتنظيمات مسلّحة في العراق ثمّ سوريا، فهو خبير في بناء وإدارة الكيانات المتمرّدة، ولديه حدود عريضة شرقًا وجنوبًا للرّدّ والرّدع".
وأعربت عن اعتقادها بأنّ "إيران الجريحة، بعد أن خسرت سوريا ولبنان وغزّة، ستسعَى للحفاظ على ما تبقَّى من نفوذها، وتحديدًا الجوهرة، العراق. لهذا فاستقرار سوريا مصلحة للاستقرار الإقليمي، ومصلحة إيرانَ طمأنةُ دمشق ضدّ هذه التّوقّعات العدوانيّة".
إلى ذلك، ركّزت على أنّه "مرَّ شهران وسوريا مستقرّة، ولا بدّ أنّ الأصعبَ على الرّئيس الشّرع ليس مواجهة القوى المسلّحة ضده، بل المحافظة على انضباط الفصائل الموالية له، ومنعها من الانخراط في لعبة المواجهات المسلّحة مع القوى المحليّة وعبر الحدود. ويبدو أنَّ الوضعَ تحت السيطرة، باستثناء بعض الاشتباكات المحدودة عبر الحدود مع لبنانَ وقبلها مع إسرائيل".
وأكّدت "الشرّق الأوسط" في المقال أنّ "الرّمال المتحرّكة هي في الشّمال. هناك الوجود التّركي العسكري والقوّات الأميركيّة، وحزمة من الفصائل المتمرّدة القادرة على البقاء خارج إطار السّلطة لسنينَ أخرى"، مشيرةً إلى أنّ "الوجود التّركي كانَ من أهدافه ملاحقةُ الأكراد الانفصاليّين والضّغط على نظام الأسد آنذاك. اليوم الحامي التّركي ضمانةٌ لدمشقَ في ظلّ إعادة بناء القوّات المسلّحة السّوريّة".
وتابعت: "القوّات الأميركيّة أكملت عشرَ سنين في سوريا، ومن المستبعَد أن تخرج وتتخلَّى الولايات المتّحدة عن حليفها الكردي وحفظ توازن القوى، وكذلك لمواجهة تهديدات "القاعدة" و"داعش". مع هذا، مصير الوجود الأميركي اليوم غامض، لأنَّه لا يمكن المراهنة على الثّوابت الأميركيّة تحت إدارة الرّئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة"، خاتمةً: "مصلحة القوّتَين الإقليميّتَين، إيران وتركيا، في سوريا تجنّب الانخراط في المواجهات، والعمل على خفض التوتّر لأنَّ الفوضى ستهدّد منطقة بلاد الرافدين".