أعلنت مجموعة من منظمات المجتمع المدني التي تعمل من أجل حماية وتوثيق الأضرار التي لحقت بالممتلكات الثقافية في لبنان إنشاء ائتلاف وطنيّ واسع للمطالبة بحماية النسيج العمراني التراثي للبلدات، خصوصًا في الجنوب والبقاع حيث التدمير الأوسع، والعمل على توثيق الأضرار وفقًا للمعايير الدولية، من خلال جمع صور للمواقع قبل العدوان وبعده (عبر الموقع أو من الأقمار الاصطناعية)، وإعداد توصيف دقيق للقيمة التاريخية والهندسية والتراثية والاجتماعية للمواقع المتضرّرة، بهدف استخدامها كتوثيق جنائي لتقديمها إلى الجهات القضائية المختصّة.

وطالب الائتلاف وزارتي الثقافة والعدل بـ"دعم هذا الجهد التوثيقي عبر توفير الإمكانات المعلوماتية والبشرية، باعتباره يصبّ في المصلحة الوطنية العامّة"، ودعا الهيئات والأفراد المعنيين بهذه الممتلكات إلى" تعزيز جهود الحماية والتوثيق".

كما طالب وزارتي الثقافة والإعلام بإلزام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة "نشر المعلومات والتقارير حول المعالم التاريخية والنسيج العمراني المهدّد، من أجل نشر الوعي وترسيخ المسؤولية بضرورة المحافظة على التاريخ والهويّة الوطنية".

كذلك طالب وزارة الثقافة "باتخاذ الإجراءات لحماية هذه الممتلكات الثقافية، من خلال إدراجها ضمن نظام المناطق التراثية الخاصة، ومنع الهدم وفرض شروط حماية صارمة للحفاظ على تاريخها وهويّتها"، ووزارتي الثقافة والعدل "بنشر تقرير تقييم شامل ودوري حول الأضرار الناتجة عن الاعتداءات، حفاظًا على إمكانية مقاضاة إسرائيل أمام الجهات المختصّة، وفقًا لـ "البروتوكول الثاني الملحق باتفاقية لاهاي الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح"".

وأعلن الائتلاف أنّه سيعمل بكل طاقته على "دعم أي مسعى رسمي في هذا الإطار"، مشدّدًا على "ضرورة أن "تتّبع الجهات المعنيّة بإعادة الإعمار نهجًا محليًا، ينبثق من خصوصيّات المناطق ومقوّماتها الثقافية، عبر مشاريع ذات رؤى ومقاربات محليّة تأخذ في الاعتبار الطابع العمراني لكلّ حيّ وبلدة ومدينة، لا سيّما في البلدات الجنوبية المدمّرة، من أجل استعادة نسيجها العمراني المتميّز".

وشرح نداء إعلان إنشاء الائتلاف أنّه "بعد الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، الذي أودى بحياة آلاف المدنيين واستهدف مساحات واسعة من قرى وبلدات المناطق الجنوبية والبقاع، بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى، طالت الاستهدافات الأنسجة العمرانية بكافة تصنيفاتها الأثرية والتاريخية والمحلية والبيئية، ولا سيّما القرى والمدن الحدودية في الجنوب والبقاع، إلى جانب العديد من المواقع الأثرية والأحياء التراثية، والتي نذكرها على سبيل المثال وليس الحصر بانتظار اكتمال الصورة، وهي مدينة النبطية وسوقها التاريخي، ومواقع قريتي محيبيب (مقام النبي بنيامين) وبليدا (المسجد) وشقرا (المسجد) وشمع (القلعة والمقام وتلة الرمثا)، وجزء من المدينة القديمة في صور. كما تسبّب في أضرار مختلفة في مواقع أثرية مدرجة على لائحة التراث العالمي والوطني، مثل مجمّع المعابد في بعلبك وقلعتي تبنين وشقيف أرنون".

وأشار إلى أنّ "الاعتداءات الممنهجة على المواقع التراثية استهدفت محو الجذور والهوية الوطنية، وعمدت إلى تدمير النسيج العمراني للقرى والبلدات ضمن سياسة "الأرض غير الصالحة للسكن"، ما يهدد عودة السكان إليها، حيث لجأ الاحتلال إلى تفخيخ أحياء وقرى بأكملها. وقد تم توثيق استخدام الاحتلال أداة النسف الجماعي عبر تفخيخها بالمتفجرات في 13 بلدة، وهي: حولا، محيبيب، ميس الجبل، بليدا، راميا، مروحين، الضهيرة، عيترون، العديسة، عيتا الشعب، كفركلا، طير حرفا، والخيام".

واعتبر النداء أنّ "تفخيخ إسرائيل أحياءً وقرى بأكملها يعني أنّها تمارس الإبادة المكانية، أي التدمير المنهجي والمتعمّد الذي يتجاوز هدم المباني إلى إزالة الذكريات الفردية والجماعية، والقضاء على الروايات المكانية التاريخية داخل هذه المساحات ونسيجها العمراني".

ولفت إلى "تعمّد العدو الإسرائيلي القضاء على موائل طبيعية غنية بتنوعها البيولوجي، كما حدث في اللبونة (الناقورة)، حرش الراهب (عيتا الشعب)، أحراج علما الشعب، يارون، كونين، كفرشوبا، وغيرها. كما استهدف مواقع طبيعية ذات رمزية ثقافية عميقة، مثل إحراق غابات السنديان والصنوبر القديمة في جبل عامل، وجرف حقول القمح وسهول الزيتون المعمّر، والتي لا تقتصر قيمتها على التراث، بل يعتمد العديد من الجنوبيين على مردودها المادي".

ودعا "جميع اللبنانيين واللبنانيات، في الداخل والخارج، إلى أوسع تضامن وطني لحماية الممتلكات الثقافية في لبنان، وبخاصّة في الجنوب والبقاع، والحفاظ عليها"، مشيراً إلى أن "الانضمام إليه أو دعمه متاح للمنظمات المتخصصة والمستقلة، كما للأفراد المؤمنين بأنّ المحافظة على التراث جزء أساسي من صون الهوية اللبنانية وثروتنا الثقافية المشتركة".

وتضم المجموعة: "المفكرة القانونية"، "بلادي"، "الجنوبيون الخضر"، "المجلس الثقافي للبنان الجنوبي"، "نحن"، "أشغال عامة"، "مبادرة سياسات للغد"، مؤسسة "الجادرجي للعمارة والمجتمع"، "اللقاء العمراني"، جمعية "تقدم المرأة" (النبطية).