لا تزال قضية العشائر تتفاعل على الحدود الشرقية، خصوصاً بعد سقوط النظام السوري وإمساك هيئة "تحرير الشام" بزمام الحكم، وهي أعادت إلى الاذهان ما حصل في السنوات السابقة خلال وجود تنظيمي "داعش" وجبهة "النصرة" في جرود لبنان.
الحقيقة أن القصّة مختلفة، فقد اندلعت اشتباكات بين مسلحي الامن العام السوري، الذين هم من هيئة "تحرير الشام"، وبين عشائر لبنانيّة من آل جعفر وزعيتر ومديلج، يمتلكون أراضٍ زراعية في سوريا، وتحديدا في بلدة القصر ويسكنون فيها، والمشكلة التي حصلت تعود إلى التهريب، ولكن يبدو أن لتلك القضية رواية مختلفة.
يشرح قائد معركة "فجر الجرود" العميد المتقاعد فادي داوود أنه "لناحية التهريب فالمنطقة كلّها معابر غير شرعية ويصل عددها إلى 146 معبراً. وإذا اعتبرنا أن المقصود تهريب أسلحة إلى "حزب الله"، فالسؤال الذي يُسأل هنا من أين سيأتي الحزب بتلك الأسلحة ولا يوجد طريق للمجيء بها أو حتى لايصالها"؟.
القضية التي تحصل على الحدود الشرقية، هي ببساطة موضوع مشكلة مع أهالي المنطقة الذين هم من العشائر. ويشير العميد داوود إلى أن "للعشائر على الحدود الشرقية أراضٍ من أيام العثمانيين، وفي العام 1943 بعد تحديد الحدود تملّكوها واستثمروها، وهنا قد يكون الطرف الثاني قد قال إن العشائر مدّت نفوذها وأخذت أو "استولت" على اراضٍ، واليوم وبعد أن تراجع نفوذ "حزب الله" عادت جبهة تحرير الشام وأخذت جزءًا من تلك الاراضي".
صحيح أن العشائر هي التي تتحرك على الحدود الشرقية، ولكن المعروف أن عددها لا يقل عن 35 ألف شخصاً، وبالتالي حكماً فإنّ الاغلبية توالي "حزب الله"، وهنا يظنّ البعض أن الحزب قد يكون خلف الموضوع لأسباب عديدة، منها التأكيد على ضرورة بقاء السلاح. ولكن العميد داوود يرى أن الحزب بهذه المرحلة، يريد إقفال أبواب المشاكل، وإهتماماته هي في مكان آخر، وليس بوارد الدخول في مشاكل من هذا النوع أياً تكن"، لافتاً إلى أن "الجيش اللبناني تدخّل في العملية وقام بالفصل بين العشائر وهيئة تحرير الشام"، مؤكداً في نفس الوقت أن "العودة بالذاكرة إلى الوراء وتشبيه ما يحصل اليوم على الحدود بما حصل في الماضي في عرسال هو خطأ فادح"، مشيراً الى "أنّ المعركة كانت بين خمسة آلاف جندي لبناني وتنظيم داعش في الاراضي اللبنانية".
بدوره، العميد المتقاعد منير شحادة يسأل عمّا اذا كانت العشائر هي من تمنع السلطات السورية أن تضبط المعابر غير الشرعية، فكيف تسمح هذه السلطات بعبور صهاريج المحروقات مثلا؟ مطالبًا "سوريا بضبط حدودها من المصنع وحتى العريضة"، مشيراً إلى أن "من يستفيد من كافة أنواع التهريب هم دروز وسنّة البقاع الغربي وعرسال، وشيعة النبي شيت وبريتال، ومسيحيو القاع، وشيعة الهرمل، وسنة عكار، وعلويو العريضة".
"بدأت الاحداث في الشمال الشرقي بعد سقوط النظام السوري السابق وفي قرى يسكنها لبنانيون شيعة، وبدأ انتقام من قبل السلطات السورية بحق الاقليّات من المسيحيين والعلويين والشيعة التي ساندت النظام السوري، ومنهم هذه القرى الشيعية الموجودة داخل الاراضي السورية". هذا ما يؤكده العميد شحادة، مشيراً إلى أنه "حتى الان الحدود اللبنانية السورية غير مرسّمة مع وجود 27 نقطة خلاف على الاراضي من مزارع شبعا وحتى العريضة وجب حلها، وهذه الخلافات على الاراضي ان كانت مملوكة أو مشاعات ومراعي هي التي تؤدّي إلى هذه المشاكل منذ زمن طويل".
واضاف: "هناك قرى لبنانية لا يمكن الدخول اليها الا من الاراضي السوريّة، مثل معربون والطفيل، وقد فتح مؤخراً الجيش اللبناني طريقًا إلى هذه القرى ليتم الدخول لها من منطقة البقاع"، لافتاً إلى أن "ما يحصل اليوم هو عملية انتقام وتهجير قسم كبير من القرى التي يسكنها شيعة لبنانيون في المقلب الاخر، أي أننا نشعر أن هناك استهداف لهذه المنطقة وليس اغلاق معابر، لأنه لو كان كذلك فيجب أن تغلق على كامل الحدود وليس في منطقة محدّدة"، مشدداً في النهاية على أن "ما يحصل هو استكمال لحصار المقاومة من هذه المنطقة التي تعتبر بيئة حاضنة لها، من دون أن تشارك في هذه الاحداث بل هي منطقة عشائرية لا تردّ على أحد".
في المحصلة، غريب أمر تحريك الحدود مع سوريا في تلك النقطة فقط، ويبقى السؤال كيف ستكون خواتيم هذه المشكلة؟!.