غَريبٌ كَم يَنبُضُ الدَمُّ في هَذِهِ الأرضِ الإسمُها لبنانُ، وَهي النَزْرُ. هَذا سِرُّها والخُلودُ.
في شاسِعاتِ غَيرِها تِلكَ الأرضُ أنتَ مُجَرَّدُ حَصيلَةٍ أنتروبولوجِيَّةٍ، إثنِيَّةٍ أو دينِيَّةٍ أو ثَقافِيَّةٍ، أو حَتَّى بِسَبَبٍ مِن لَونِ بَشَرَتِكَ. أنتَ هُناكَ مَملوكٌ لِمَنالِ حاكِمٍ أو عَصَبِ قَبيلَةٍ أو حَتَّى لِتَشَتُّتِ ذاتِيَّةٍ. أنتَ هُناكَ لا مَرقى لِصُعوبَةٍ، لِذاكِرَةٍ، وَلا حَتَّى لِصورَةٍ.
هُنا، على هَذِهِ الأرضِ الدِمُّ إكتِمالُ دَعوَةٍ.
أفِعلُ تَجَذُّرٍ؟ فِعلُ مُقاوَمَةٍ؟ إنتِماءٌ بِوَجهِ عَواصِفَ الصِراعِ والتَصارُعِ الجُغرافِيِّ المُتَمَدِّدِ مِنَ الأقصى شَرقاً لِلأقصى غَرباً حَولَ تِلكَ الأرضِ، يَصطَنِعُها جُحودٌ غُبَّ الجُنونِ، يُشَلِّعُ حُدوداً وَيَنفُخُ أُخرىً. وَعَواصِفَ الداخِلِ مِن أقصى هذا الدينِ لِأقصى الدينِ الآخَرِ، يَؤجِّجُها مُمِوِّلٌ مِن هُنا بِأثمانِ آلاتِ نارِ المُحارِبِ مِن هُناكَ لِيَفنِيَ مَن يَبتَغي مِنَ الدينِ "المُعادِيَ"، بِمَن فيهِمِ مِن دينِهِ يَرى فيهِمِ عَدَواةً أكبَرَ، فَتَستَشرِيَ لُعبَةُ العَدَمِ، وَيَتَأبَّطَ المُمَوِّلونَ أذرُعَ بَعضٍ ليَسكَروا مِن خارِجٍ لِداخِلٍ حَول الدَمِّ الأهرَقوهُ بِمَهاراتِ الفَواجِعَ.
ألعَداواتُ تَخُطُّ حُدودَ هَذِهِ الأرضِ الإسمُها لبنانُ؟ لا لَيسَت تِلكَ الأرضُ مَساحَة تَهاونِ التَلاغِياتِ، كُرمى لِجُحودِ مُغالاةِ القُوَّةِ الأرسَتهُ في مَقولَةِ Ignotum per ignotius ظُلمُ الظَلامِ بِالأكثَرِ ظَلاماً. هي مُذ كانَت، لِأنَّها كانَت، نِداءُ المَلءِ لِلمُطلَقِ، وَتَحقيقُ المُطلَقِ في المَلءِ. مَصقولَةٌ بإستِحقاقِ الإنتِماءِ. لا بِرَشوَةِ تَخويفٍ وَلا بِغِوايَةِ تَرهيبٍ. ذَلِكَ أنَّ دَمَ هَذِهِ الأرضِ الإسمُها لبنانُ حَياةٌ سُموُّها إرتِباطُها العامودِيُّ بِمَن فَوقَها وَقَد أرادَها ما هيَ عَلَيهِ، والأُفُقِيُّ بِما هو إختِبارُ مَن فيها لِمُبتَغى الحُرِيَّةِ لا الخُضوعِ.
في هَذا التَقاطُعِ بَينَ العامودِيِّ وَالأُفُقِيِّ، يُدرَكُ لبنانُ-الأرضُ الصيغَةَ الناجِزَةَ لِتَبَلورِ الروحِ عَبرَ التاريخِ بِثالوثِيَّتِهِ: الماضيُ، الحاضِرُ، الأواتيُ. قُلّ أكثَرَ: وَحدَهُ لبنانُ-الأرضُ، بِهَذا التَقاطُعِ المُحَقَّقِ فيهِ والمُستَحَقِّ بِهِ، بَينَ الأُفُقِيِّ والعامودِيِّ، يَجعَلُ جَوهَرَ الهُوِيَّةِ الُلبنانِيَّةِ لا وجوداً لِحَصائِلَ تَتَسابَقُ في مَتاهاتِ الجرائِمَ، وَلَو إستَورَدَ لِيَتَمَلَّكَ بِوَمضَةِ نَسَبٍ عابِرٍ قادَةَ جُيوشٍ وأعتى حُرَّاسٍ وأمهَرَ أخِصِّائيِّينِ وأعلَمَ مُثَقَّفينَ وأشهَرَ مُغَنِّينَ وَراقِصاتٍ وَهزلِيِّينَ وَلاعِبي كُراتٍ... ، بَل تأسيساً لِلأقصى الحَضارِيِّ المُقَرِّرِ لِمَصيرِهِ. إذ كَيفَ يَكونُ الإنتِماءُ مِن دونِ البُعدِ العامودِيِّ ‒وَهوَ الرُكنُ الأساسُ‒، حينَ الأُفُقيُّ لَيسَ بِبُعدٍ إنَّما سَطحِيَّةُ غَيرُ المُبالاةِ؟ أخذٌ لا عَطاءٌ.
الرابِطُ المُوحِّدُ
يَبقى الدَمُ إرتِباطُ الأرضِ-لبنانَ بالجُغرافِيَةِ الصانِعَةِ التاريخَ، وبالتاريخِ المُكَرِّسِ الجُغرافِيَةَ. في هَذِهِ الجَسَدانِيَّةِ مَركَزِيَّةُ الروحِ الُلبنانِيَّةِ. إرتِباطٌ لا قُدرَةَ لِآثامَ وَلا لِفَلسَفاتٍ وَلا حَتَّى لِدَفقِ أموالَ أن يَنكُرَهُ أو يُلغيهِ. لِمَ؟ لِأنَّ وجودِيَّةَ الأرضِ-لبنانَ هي يَقينُ جَوهَرِها.
وَهَذا لَم يُعطَ لِشاسِعاتِ قُوَّةِ الظُلمِ-الظَلامِ.
أفي ذَلِكَ يُدرَكُ تيهُها في إبتِداعِ المَخاطِرَ وإستِتباعِها لِأهوالِها؟ ما هَمِّي تِلكَ الشاسِعاتِ. انا لَهَفي لِهَذا الحِوارِ الذي أقامَتهُ الأرضُ-لبنانُ بِينَ الجَسَدِ-الوجودِ والجَوهَرِ-الروحِ، وَهوَ لِأجلِ الأقصى تَناغُمُ العِناقِ في تَقاطُعِ العامودِيِّ والأُفُقِيِّ. هو الرابِطُ المُوَحِّدُ لِما في "الفِعلِ" بَينَ "المادَّةِ" و"القُوَّةِ"، "الشَكلِ" و"المُحاكاةِ". بَينَ "الإعتِرافِ" و"المِعنى".
بِذَلِكَ، لبنانُ، وَحدَهُ، مَن خَطَّ بِدَمِهِ نورَ العُبورِ مِن كَينونَةِ "المَوضوعِ" oggettoالى جَوهَرِيَّةِ "الشأنِ" :soggetto مِن "أيِّ" حَياةٍ الى أغوارِ "الحَياةِ-الكُلِّيَةِ-المُوَحِدَّةِ".
بِهِ، تَستَحِقُّ الشاسِعاتُ إسمَ أرضِ، ولإسمِها أن يَكونَ سَنا وَطَنٍ.
غَريبٌ كَيفَ يَنبُضُ الدَمُّ في هَذِهِ الأرضِ الإسمُها لبنانُ، وَهي النُدرَةُ. هَذِهِ أعجوبَتُها والسَرمَدُ.