في ظل التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط والمشهد السياسي اللبناني الجديد بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، يتساءل المراقبون عن مدى إمكانية أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على إسرائيل للانسحاب من الأراضي اللبنانية، وكيف يمكن أن يسهم ذلك في تعزيز موقف الرئاسة الجديدة وتقليص نفوذ حزب الله!.
تتميز العلاقة الأميركية-الإسرائيلية بخصوصية استراتيجية، ما يجعل مسألة الضغط الأميركي أمراً معقداً. فرغم أن واشنطن تمتلك أوراق ضغط متعددة، أهمها المساعدات العسكرية السنوية التي تبلغ نحو 3.8 مليار دولار، والحماية الدبلوماسية في المحافل الدولية، والتعاون الاستخباراتي والتكنولوجي، إلا أن إسرائيل تتمتع بهامش مناورة كبير، مدعومة بلوبي قوي داخل أروقة صنع القرار الأميركي. وتاريخياً، كانت الضغوط الأميركية محدودة التأثير في قرارات إسرائيل الاستراتيجية المتعلقة بأمنها القومي.
مع وجود رئيس جديد يحظى بدعم أميركي، يمكن القول إن هناك فرصة لتحرك دبلوماسي أكثر فاعلية. فالدعم الأميركي للرئاسة اللبنانية يمكن أن يشكل رافعة لتعزيز سلطة الدولة اللبنانية واستعادة سيادتها على كامل أراضيها. في هذا السياق، يمكن أن يشكل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية فرصة حقيقية لتعزيز شرعية مؤسسة الرئاسة وتقوية العهد الجديد. لكن نجاح هذا المسار يعتمد على قدرة الرئيس جوزاف عون على حشد دعم دولي واسع، وعلى آليات تنفيذ الانسحاب ومن سيملأ الفراغ، إضافة إلى دور القوات الدولية (اليونيفيل) في هذه العملية.
يستمد حزب الله شرعيته الداخلية جزئياً من خطابه كمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وعليه، فإن تأثير الانسحاب الإسرائيلي على نفوذه يخضع لسياق التنفيذ. إذا تم تصوير الانسحاب كثمرة للجهود الدبلوماسية للرئاسة الجديدة والحكومة اللبنانية، مدعومة بضغط أميركي، فقد يسهم ذلك في تعزيز شرعية الدولة على حساب الشرعية التي يستمدها حزب الله من خطابه المقاوم. وستلعب طريقة نشر الجيش اللبناني في المناطق المحررة دوراً محورياً في تحديد موازين القوى الداخلية.
هناك عدة سيناريوهات محتملة في ظل المعطيات الجديدة. قد تستثمر الإدارة الأميركية في الرئاسة الجديدة وتمارس ضغوطاً أكثر جدية على إسرائيل، خاصة إذا كان ذلك يخدم استراتيجيتها الإقليمية الأوسع. أو قد تسعى لصفقة إقليمية شاملة تربط الانسحاب من لبنان بترتيبات أمنية وسياسية تشمل سوريا والملف الإيراني. كما قد تقبل إسرائيل بتراجع تكتيكي يتضمن انسحاباً تدريجياً مقابل ضمانات أمنية على الحدود، أو قد يكون هناك تعزيز للتدخل الدولي عبر تفويض أوسع لقوات اليونيفيل.
تواجه هذه المساعي تحديات عديدة، أبرزها المخاوف الأمنية الإسرائيلية من تعاظم قدرات حزب الله، والتعقيدات الداخلية في السياسة الأميركية والإسرائيلية، والتوازنات الدقيقة في المشهد السياسي اللبناني الجديد، إضافة إلى تشابك الملف اللبناني مع الصراعات الإقليمية الأخرى في المنطقة.
إن وجود رئيس يحظى بدعم أميركي يمثل فرصة غير مسبوقة لتعزيز الدور اللبناني الرسمي في أي مفاوضات حول الانسحاب الإسرائيلي. ويمكن للرئاسة الجديدة الاستفادة من هذا الدعم في تعزيز الخطاب السيادي اللبناني، وتقوية موقف الدولة في مواجهة القوى غير الرسمية. لكن نجاح هذا المسار يتطلب استراتيجية وطنية واضحة ومتماسكة، وقدرة على التعامل مع التوازنات الإقليمية المعقدة.
في الختام، يمكن القول إن الضغط الأميركي على إسرائيل للانسحاب من لبنان، في ظل وجود رئاسة تحظى بدعم واشنطن، يمثل فرصة حقيقية لتعزيز سلطة الدولة وتقليص نفوذ القوى غير الرسمية. لكن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى عمل دبلوماسي مكثف، وتوافق وطني لبناني، وظروف إقليمية مواتية. كما أن اختبار فعالية الدعم الأميركي للرئاسة الجديدة سيكون في مدى قدرة واشنطن على ترجمة هذا الدعم إلى ضغط حقيقي على إسرائيل لاحترام السيادة اللبنانية الكاملة.