هناك من يقول بأنه كان يجب على الدولة أن تمتنع عن الإنصياع للتهديد الإسرائيلي باستهداف مدرج مطار بيروت الدولي وترفض منع الطائرة الإيرانية من السفر إلى بيروت، وهناك من يقول بأنه لا يمكن للبنان تحمّل مثل هذا القرار، خصوصاً أنه بات واضحاً أن العدو الإسرائيلي قادر على القيام بأيّ شيء في لبنان خلال هذه الفترة، وهو ما يعني أننا بتنا نعيش تحت رحمته.
فوجئ المسؤولون اللبنانيون بأن شركات الطيران الإيرانيّة مدرجة على لوائح العقوبات الأوروبيّة بسبب نقل السلاح من إيران إلى روسيا، وقرر رئيس الحكومة نواف سلام اعتماد هذه المسألة لتبرير قرار منع الطيران الإيراني من السفر إلى لبنان، ولكن الوقائع لا تقول ذلك، إذ أصبح معلوماً أنّ رئاسة الحكومة اللبنانية تبلغت تهديداً إسرائيلياً من خلال الأميركيين، يقول بأن اسرائيل ستمنع هبوط الطائرة الإيرانية في المطار ولو تطلّب ذلك قصف مدرج المطار.
كان يكفي لرئيس الحكومة قول الحقيقة والتأكيد على أنّ لبنان وإن انصاع هذه المرة للتهديد الإسرائيلي، إلا أنه بصدد البحث عن حلول تضمن سيادته، لكان وفّر ذلك على البلد الكثير من النقاشات السياسية التي خرجت إلى الشارع على شكل تحركات تفلّتت من الضوابط فأدّت للهجوم على موكب قوات اليونيفيل، وإن كانت هذه القوات قد أثارت الريبة بسبب مرورها في تلك النقطة رغم علم الجميع بأنها مقفلة تسبب تحرك في الشارع.
يتركز البحث اليوم عما بعد هذه الحادثة، فالمطلوب تقييم دقيق وحكيم للوقائع، بعيداً عن الإنصياع من جهة، ومنطق التخوين من جهة ثانية، وتُشير مصادر سياسية بارزة إلى أن لبنان اليوم يعيش واقع الضعف بعد الحرب الإسرائيليّة عليه، وبعد مجيء دونالد ترامب إلى الحكم في أميركا، فالمنطقة باتت محكومة اليوم من قبل شخصين لن يترددا بالقيام بأيّ هجوم في أيّ مكان في المنطقة، وعليه يُفترض أن تكون المعالجات حكيمة وتنطلق من المصلحة العامة.
الأهم بحسب المصادر هو عدم تصوير وكأنّ المعركة تعني فئة لبنانية طائفيّة واحدة، فهي تعني كل لبنان، والمواجهة تتطلب مشاركة كل لبنان، علماً أنه بحسب المصادر فإن ما جرى مع الطائرة الإيرانية يمكن ربطه بما يجري على الحدود الشرقية للبنان مع سوريا، حيث محاولات الجيش السوري تحييد الحدود وفرض التغيير الديمغرافي فيه، وعليه يُفترض أن تكون الأمور واضحة فالمرحلة لا تتحمل المواقف الرمادية.
تؤكد المصادر أن هناك من يدفع بلبنان إلى الحضن الإسرائيلي بعد دفعه سابقاً نحو الحضن الأميركي، وعليه كانت رسالة أمين عام حزب الله في خطابه الأخير إيجابية لناحية التعاون مع الدولة لحل قضية الطيران الإيراني وبالتالي خوض المواجهة، ولكن حتى الساعة ليس معلوماً بعد من سيخوضها ومن سيسير معها لاستكمال خنق حزب الله وبيئته الشعبية.
لن تكون المرحلة المقبلة سهلة، فأساس المواجهة هو توافق النوايا، ففي حال كان هناك توافق بين الحزب والدولة على شكل المواجهة فإن الامور ستسير بهدوء بغية إيجاد الحلول، اما بحال شعر الحزب أن الدولة ضدّه فعندها قد يتبدل المسار، ويُدرك رئيس الجمهورية اليوم أن انطلاقة جيدة للعهد تتطلب تعاون الجميع، علماً أنه بحسب المصادر فإنّ الرئيس عون قرأ جيداً تحركات الشارع وهو الذي يدرك خطرها على استقرار العهد ومسيرته.
إذا هي مسألة قرار، لا يزال يسعى الحزب لأن يكون لمصلحة التصدي لمحاولات السيطرة الإسرائيلية على لبنان، والأيام المقبلة ستكون كفيلة بإظهار هذا القرار بشكل أوضح.