لم تكن التطورات الميدانية، التي رافقت حادثة منع الطائرة الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت الدولي، أمراً مستغرباً. بل على العكس من ذلك، كان على المتابعين للمسار العام في البلاد، أن يدركوا أنها من الامور الطبيعية، من المرجح أن يحصل في أي لحظة، بغض النظر عن الموقف منها. على إعتبار أنها من تداعيات معركة التوازنات الجديدة، التي يراد تكريسها بعد العدوان الإسرائيلي وسقوط النظام السوري السابق.
إنطلاقاً من هذه المعركة، كانت الإستحقاقات التي حصلت في لبنان، في الفترة الماضية، من إنتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون وصولاً إلى تشكيل حكومة العهد الأولى، وقبل ذلك تسمية رئيسها نواف سلام في الإستشارات النيابية الملزمة. حيث كان العامل الخارجي حاضراً بقوة، تحت عنوان السعي إلى تقليص نفوذ "حزب الله" السياسي في الداخل، بعد الضربات العسكرية التي تعرض لها خلال الحرب.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن السؤال الأساسي الذي كان يطرح نفسه بقوة، طوال الفترة الماضية، يتعلق بالنهج الذي ستعتمده تلك الجهات الخارجيّة لتحقيق هدفها، بين من كان يعتبر أنها ستمضي إلى ذلك بشكل سريع، ومن كان يؤكد أن الأمر سيتم على مراحل، لمنع حصول أيّ صدام داخلي بين الأفرقاء المحليين، على قاعدة أن لا مصلحة لها في ذلك.
بالنسبة إلى هذه المصادر، التصريح الذي أدلت به المبعوثة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس، خلال زيارتها الأولى إلى بيروت، أوحى بأن واشنطن تدفع نحو النهج الأول، على عكس ما كان يطرح قبل ذلك، خصوصاً أنّه جاء على وقع الخلاف حول إسم الوزير الشيعي الخامس، خلال مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أنّ ولادتها، بعد يوم واحد فقط، من دون أيّ تعديل حول حصة "حزب الله" الوزاريّة، التي كانت معروفة مسبقاً بالنسبة إلى الحقائب والأسماء، أكدت أن الأمور لا تسير بهذا الإتجاه.
في الأسبوع الماضي، كانت البلاد تترقب البيان الوزاري، بعد تأليف لجنة صياغته، والتحضيرات المستمرة لتشييع أمين عام "حزب الله" السابق السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين في 23 شباط. على وقع المعلومات أن الإتفاق حول البيان الوزاري لن يمثل أي مشكلة، خصوصاً أن الإتفاق حول عناوينه العريضة تم مسبقاً، لا سيما بالنسبة إلى البند المتعلق بالمقاومة.
ضمن هذه الأجواء، جاءت حادثة الطائرة الإيرانية وما رافقها من تداعيات على أرض الواقع، بغض النظر عن ملابسات الحادثة نفسها، حيث تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أنها وضعت، بعد ذلك، في إطار إختبار كيفية تعامل "حزب الله" معها، الأمر الذي تم عبر التحركات في الشارع، بالإضافة إلى كيفية تعامل الدولة اللبنانية، بما تمثله من توازن جديد على مستوى السلطة التنفيذية، معها، بالتزامن مع تطورات أخرى، أبرزها موضوع الإنسحاب الإسرائيلي.
في هذا الإطار، تضع المصادر ذاتها الحديث، الذي رافق تطورات الأسبوع الماضي، حول إدارة البلاد في المرحلة المقبلة، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو على المستوى الخارجي، حيث أنه في الأول كان الصراع بين معادلتين: الأولى هي أن الدولة من يقرر كيفية التعامل مع ما حصل، بالرغم من الإتهامات التي كانت توجه إليها، خصوصاً لرئيس الجمهورية والحكومة، أما الثانية فهي الدعوة إلى أخذ خيار المواجهة، عبر رفض الإملاءات الأميركية والإسرائيلية، بينما في الثاني كانت المواقف التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو من تل أبيب.
في المحصلة، ترى هذه المصادر أن المسار العام يوحي بأن هذه المواجهة، حتى ولو تراجعت حدتها في الأيام المقبلة، ستستمر بأكثر من طريقة وعلى أكثر من جبهة، من ضمن معركة التوازنات الداخليّة ذات الأبعاد الخارجية، خصوصاً في ظل غياب أي مؤشرات على تسوية، من الممكن أن تحصل في وقت قريب، تعيد ترتيب هذه التوازنات بشكل أو بآخر، ليبقى السؤال عما إذا كانت ستبقى مضبوطة تحت سقف محدد.