طالب مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، بالاسراع في وضع خطة إصلاح شاملة لإعادة الإعمار في المناطق المنكوبة وذلك بسعي من الدولة وأجهزتها وتضامن الدول العربيّة والصديقة والمؤسسات الإنسانيّة المحليّة والعالميةّ بعدالة وشفافيّة.
جاء ذلك في البيان الاختامي عن دورته السنوية العادية الـ57، الذي ترأسها رئيس المجلس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وافتتح الراعي الدورة بالصلاة، وفق بيان المجلس، ثم ألقى كلمةً "شَكَر الله فيها على علامات الرجاء وقد بدأت تظهر في السنة اليوبيليّة التي أعلنها البابا فرنسيس بعنوان: "الرجاء لا يخيّب" (روم 5/5). ثمّ رحّب بالأعضاء الجدد وعرض مواضيع الدورة، وهي: هويّة المجلس وبنيته الهيكليّة والتعديلات اللازمة في ضوء سينودس الأساقفة عن السينودسية، الاطّلاع على الوثيقة الختاميّة للجمعيّة العموميّة لسينودس الأساقفة في روما، إقرار الدليل بشأن حماية الأطفال والقاصرين، التنمية البشريّة المتكاملة".
وألقى السفير البابوي كلمة نقل فيها تحيّات البابا فرنسيس وبركته، مظهرًا عاطفته واهتمامه بلبنان وشعبه. ونوّه بالمبادرات العمليّة التي قامت بها الكنائس والأبرشيات والرعايا والرهبانيات ومؤسساتها التربويّة والصحيّة والاجتماعيّة خلال الحرب الأخيـرة للوقوف الى جانب المواطنين المهجّرين والنازحين وطالب بتكثيفها بروح سينودسيّة وتعاون أكبر في ما بينها.
بعد كلمات الافتتاح، وجّه الراعي باسم المجلس برقية الى البابا فرنسيس أطلعه فيها على أعمال الدورة طالبًا بركته الرسوليّة. ورفع الصلاة مع أعضاء المجلس ملتمسًا من الله نعمة الشفاء العاجل لقداسته.
وعمد أعضاء المجلس الى إقرار عناوين النظام الجديد، على أن تعمل الهيئة التنفيذيّة على إدخال التعديلات عليه ومن ثمّ عَرْضَه على الجمعية العامة في الدورة المقبلة للمجلس.
وبحسب بيان المجلس، فقد عرض راعي ابرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله، تقريرًا عن الدورة الثانية والأخيرة للجمعيّة العامة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة التـي عُقدت في روما في شهر تشرين الأول 2024. وركّز على "أنّها كانت مدرسة في السينودسيّة دُعينا فيها الى التوبة والاهتداء (conversion) وتعلّمنا الإصغاء والحوار والتمييز. ثمّ توقّف عند مضمون الوثيقة الختاميّة التي صدرت والتي تبنّاها البابا فرنسيس وأمر بنشرها واعتبارها من تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة من دون أن يصدر فيها إرشادًا رسوليًا"، وختم قائلاً: "إننا عدنا، بعد هذه الخبرة، الى كنائسنا مُرسَلين سينودسيّين يقودنا الروح القدس كي نحمل إنجيل الخلاص، ونكون كنيسة سينودسيّة تسير بشعبها مع يسوع المسيح نحو الملكوت، ونكون رسل رجاءٍ وصانعي سلام في بلداننا".
بدوره، عرض المطران بولس روحانا، "خبرته السينودسية، وتوقّف عند عمليّة تقبّل الوثيقة الختاميّة في كنائسنا الشرقيّة الكاثوليكيّة والتـي تدعو في فصولها الخمسة الى فعل توبة واهتداء (conversion) على صعيد العلاقات بين الكنائس والبُنـى ومسارات اتخاذ القرار، والشفافيّة والتقييم. فنستعيد الممارسة السينودسيّة في سينودساتنا وفي أبرشياتنا ورهبانياتنا ومؤسساتنا الكنسيّة لتحمّل المسؤوليّة المشتركة مع شعب الله".
هذا، واتّخذ المجلس قرارًا بإنشاء لجنة مختصّة لمتابعة موضوع حماية القاصرين والبالغين الضعفاء، برئاسة المطران حنّا علوان وعضوية ممثّل عن كلّ من أصحاب الغبطة البطاركة.
ورحّب أعضاء المجلس برئيس دائرة التنمية البشريّة المتكاملة في الكرسي الرسولي في روما الكاردينال مايكل تشرني، واستمعوا إليه يعرض رؤية الدائرة الفاتيكانيّة لتنمية الإنسان المتكاملة انطلاقًا من تعليم السيّد المسيح في الانجيل ومن تعليم الكنيسة الاجتماعي، وهي تركّز على العدالة والسلام وحماية الخليقة وعدم التسلّح وحقوق الانسان والصحّة والمحبة. وشدد على العناية بالأشخاص الضعفاء والمهجّرين والمهاجرين والمنبوذين وضحايا الحروب والكوارث الطبيعية، وهي رسالة تلتزم بها كنائسنا.
وتداول المشاركون في المواضيع المطروحة في حلقات عمل مصغّرة وجلسات عامة، وأبدوا آراءهم وملاحظاتهم واقتراحاتهم.
وشكر أعضاء المجلس الله على "نعمة السنة اليوبيليّة التي دعا اليها البابا فرنسيس بعنوان "الرجاء لا يخيّب" (روما 5/5). ويعتبرون انها زمن مميّـز وخاص هدفه أن ينعش الإيمان ويثبّت الرجاء ويحثّ على خدمة المحبة، ويدعو الى عيش خبرة الغفران والتشجيع على أعمال التضامن والمحبة والشركة الأخويّة في الكنيسة وفي المجتمع. إنهم يؤكّدون التزامهم مع شعبهم، بعيش خبرة اليوبيل بكامل متطلباتها التي تقوم على التوبة والمصالحة والغفران، فيكونون حجّاج الرجاء يسيرون معًا نحو تحقيق ملكوت الله، ملكوت العدالة والمحبة والسلام"، وفق البيان.
ودعا أعضاء المجلس الشبيبة الملتزمين في مختلف الحركات والمنظمات الكنسيّة الى أن "يكونوا رسل الرجاء لإخوتهم الشباب الذين ضعف رجاؤهم وأصيبوا بخيبة أمل. ويؤكّدون أنهم سيكونون بقربهم ويعملون على تنشئتهم الكنسيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والوطنية، ويعوّلون على وعيهم ووحدتهموتضامنهم وكفاءاتهم ليكونوا الجيل الجديد في تحمّل المسؤولية لإعادة بناء الدولة والمؤسسات ولبنان الوطن الرسالة. وقد اتّخذ المجلس قرارًا بإحياء يوم يوبيلي لشبيبة لبنان بعنوان "حجّاج الرجاء"، يوم الأحد 23 تشرين الثاني 2025".
وتوقّف أعضاء المجلس عند "مآسي الحرب ومخلّفاتها ومسألة عودة النازحين والمهجّرين الى قراهم وبلداتهم. وهم إذ يثمّنون روح التضامن والمشاركة والضيافة التي تجلّت لدى أبنائهم وبناتهم وإخوانهم المواطنين المقيمين والمنتشرين، يؤكّدون أنهم سيتابعون رسالة الكنيسة في خدمة المحبة وسيكثّفون جهودهم من أجل تنسيق أكبر بين كنائسهم ومؤسساتهم بروح سينودسيّة تميّز عملهم الكنسي المشترك".
وعبّر أعضاء المجلس عن "فرحتهم بانتهاء مأساة الفراغ الرئاسي بانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وتكليف رئيس الحكومة نوّاف سلام، رئيسًا لمجلس الوزراء، وهما يحظيان بثقة اللبنانيين على أن يعملا معًا، ومع الحكومة الجديدة والمجلس النيابي، على تحقيق الاصلاحات المطلوبة، مع الحفاظ على حقوق اللبنانيين، وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها".
ونوّه أعضاء المجلس بخطاب القَسَم الذي ألقاه رئيس الجمهورية وبكلمة رئيس مجلس الوزراء لدى تكليفه، وبالمبادئ الواردة فيهما، لاسيّما بمبدأ الحياد الإيجابي للبنان تجاه المحاور الإقليميّة والدوليّة الذي يتلاقى مع مواقف الراعي. فـ"الحياد هو في أساس قيام الدولة اللبنانيّة والميثاق الوطني ولا يضرّ في انتماء لبنان الى جامعة الدول العربيّة ومنظمة الأمم المتّحدة اللتين كان من مؤسسيهما، ويدعون الحكومة الى تطبيق هذه المبادئ بالتعاون مع المجلس النيابي".
ورأى أعضاء المجلس، في مواجهة التحولات السياسيّة الجارية في الشرق الأوسط وفي العالم، أنّه "بات من الضروري أن تقف كنيستنا بشجاعة وجرأة وتواضع أمام التاريخ وأمام الضمير وأمام الله، وتدعو أبناءها وبناتها وجميع اللبنانيين الى اتخاذ مبادرات تقود الى عمليّة وطنيّة لتنقية حقيقيّة للذاكرة التي تقتضي مراجعة ذاتيّة نقديّة ترقى الى فحص ضمير وتوبة ومحاسبة وغفران للوصول الى حوار صادق وصريح والى مصالحة باتت ملحّة اليوم".
واطّلع أعضاء المجلس من الأمين العام على التقرير السنوي للهيئة التنفيذيّة والأمانة العامة للمجلس وعلى البيان المالي للعام 2023 – 2024، وأقرّوا موازنة العام 2024 – 2025.
ثمّ عمدوا الى ملء المراكز التي شغرت في المجلس ولجانه، فتم انتخاب:
- الأب جان يونس، المرسل اللبنانيّ، أمينًا عامًّا للمجلس.
- الأب يوسف نصر، الراهب الباسيليّ المخلّصيّ، أمينًا عامًا للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان لولاية ثانية.
- الخوري جان موره، مرشدًا عامًا للسّجون لولاية ثانية.
- المطران جوزيف معوّض، راعي أبرشيّة زحلة المارونيّة، رئيسًا للّجنة الأسقفيّة اللاهوتيّة الكتابية.
- المطران كريكور باديشاه، الأسقف المعاون لأبرشيّة بيـروت البطريركيّة للأرمن الكاثوليك، رئيسًا للّجنة الأسقفيّة لراعويّة الخدمات الصحيّة.
وجدّد المجلس لسيادة المطران الياس سليمان، مهمّة الإشراف باسم المجلس على رابطة الأخويّات في لبنان.
وفي ختام أعمال الدورة السابعة والخمسين للمجلس، وفي موازاة مسيرة الحجّ في هذه السنة اليوبيليّة 2025، التي يلتقي فيها جميع المسيحيين للدخول معًا في زمن الصّوم الكبيـر والاحتفال بقيامة الربّ يسوع في العشرين من نيسان، يتابع أعضاء المجلس السير مع أبنائهم وبناتهم بهدي الروح القدس وشفاعة العذراء مريم سيّدة لبنان، بالصوم والصلاة والتوبة وحمل رسالة الكنيسة في تحقيق ملكوت الله على أرضهم وفي محيطهم الشرق أوسطي شهودًا للمسيح بالمحبّة والمصالحة والسلام".