بعيداً عن السياسة، وفيما بدأ الوزراء الجدد في لبنان القيام بمهامهم بانتظار تثبيتهم اصيلين بعد نيل ثقة مجلس النواب، وهو امر محتوم مبدئياً، وفي حين كان الاهتمام منصباً على مقولة "دويلة ضمن الدولة" وكيفية صهرها بالدولة، كانت امبراطورية من نوع آخر تسرح وتمرح وتزيد من سطوتها ونفوذها في الشارع اللبناني، وهي "امبراطورية الدراجات النارية". اصبحنا في لبنان على اقتناع بأن الانتهاء من هذه الامبراطورية يحتاج الى مجلس الامن، وربما الى البند السابع منه لنتخلص من هذه الآفة.

في كل مرة يتسلم فيها وزير جديد للداخلية مسؤولياته، نستبشر خيراً انه سيضع حداً لهذه المشكلة المستعصية، واذا به يركع ويخضع لسطوة هذه الامبراطورية قبل ان يذهب خائباً ومخيّباً آمال الناس. اليوم، وصل الى الوزارة وزير اتى من مؤسسة قوى الامن الداخلي، وقال انه عازم على فرض الامن والاستقرار، ولكننا نلفت انتباهه الى ان هذا الكلام سبق وقاله من سبقوه، وكان آخرهم الوزير السابق بسام مولوي الذي حاول فرض كلامه بالقوة، فإذا به يتراجع ويطوي الصفحة بعد ايام قليلة على "الحملة" التي اطلقها، والتي لم تكتفِ بعدم تأدية غايتها، بل زادت المشكلة تفاقماً، بحيث باتت الدراجات النارية اكثر من السيارات.

الوزير احمد الحجار، يجد نفسه اليوم امام خيارين: اما قدرته على تحدي الامبراطورية واحداث التغيير المنتظر والمطلوب، واماالانضمام الى اسلافه من الوزراء الذين استسلموا وفضّلوا عدم التطرق الى الموضوع مرة ثانية. ندرك تماماً ان مسؤوليات وزارة الداخلية والبلديات كبيرة جداً، وان التحديات التي تواجهها لا تقتصر على بعض المسائل الصغيرة، ولكننا نعلم ايضاً ان اتخاذ تدبير بتطبيق القانون على الدراجات النارية، لا يحتاج الى توافق سياسي، ولا الى احترام ميثاق معيّن، ولا الى تفاهمات وتوازنات سياسية حساسة... فالبديل، كما نراه اليوم، هو زيادة مضطردة لهذه الدراجات، و"وقاحة" فائقة لمن يقودها بحيث باتوا يتوّجوه على الاوتوسترادات والطرق بعكس سير المركبات، ويحتدّون ويهدّدون اذا ما اعترض احد اصحاب السيارات الملتزمة بقانون السير. شكاوى المواطنين حول هذا الامر تكاد لا تعد ولا تحصى، والانظار متجهة الى الوزارة والوزير.

واما ان يقف متفرجاً كما فعل غيره، تاركاً الناس تحت رحمة اصحاب هذه الامبراطوريّة، الذين يزرعون القلق والجريمة والخوف في نفوس الجميع، ويقومون بما يحلو لهم لعلمهم ان ليس هناك من حسيب او رقيب.

نحترم بالطبع عدم اطلاق الوزير الحجار وعوداً بانهاء هذه الظاهرة التي تسيء الى لبنان واللبنانيين، لانه قد لا يحققها وقد يكون تعلّم ذلك من سلفه مولوي. ولكن في المقابل، لا يمكن للوزير الحالي ان يقف متفرجاً على ما تحمله هذه التحركات في الشارع من رسائل وتحدٍّ الى الجميع وبالاخص الى الوزير الجديد، من انه يجب عليه عدم التفكير في مواجهتهم والا... واذا ما تكلم الحجار عن الامن والاستقرار، فهو يكون قد تطرق من حيث يدري او لا يدري، الى معضلة الدراجات النارية، لان غالبية الحوادث التي تحصل ترتبط بشكل مباشر او غير مباشر بهذه الدراجات. ويكفي ان يحصل حادث او اشكال او حدث ما، حتى تمتلئ الطرقات بالدراجات النارية، فيما تفيد التقارير الامنية ان غالبية السرقات والجرائم ابطالها سائقو دراجات نارية او اقرباء لهم يملكونها، وتكون بغالبيتها غير قانونية.

المطلوب اليوم قرار جريء من وزير الداخلية يلتزم به، ويستفيد من اجواء رياح التغيير التي تهب حالياً على لبنان، واعطاء الصورة المغايرة لتلك التي اوصلها اسلافه، واذا احتاج الامر الى التدخل السياسي، فليكن وليعمد الى كشف كل من يحمي هؤلاء، فعلى الاقل يكون قد أدّى قسطه للعلى، وارضى ضميره. فهل من يسمع؟!.