على وقع التحولات التي شهدتها المنطقة، في الأشهر الماضية، يبدو أن العنوان الأبرز، في المرحلة المقبلة، سيكون ملف المفاوضات الأميركية الإيرانية، الذي من المفترض أن تظهر معالمه في وقت قريب، خصوصاً أنه الملف الأهم بعد كل ما حصل في فلسطين ولبنان وسوريا.
من حيث المبدأ، تظهر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبة في الذهاب إلى مفاوضات وفق التوازنات الجديدة، التي فرضتها التطورات في العامين الماضيين، تحديداً مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول من العام 2023.
بناء على ذلك، بحسب أوساط سياسية متابعة، يأتي الحديث عن جلسة واحدة من المفاوضات مع إيران، تنحصر بالملف النووي دون النفوذ في المنطقة، على قاعدة أن طهران تعرضت لضربات أضعفت نفوذها، وبالتالي من الممكن فرض شروط عليها مختلفة عما كان مطروحاً في الماضي.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، ما تقدم لا ينفصل عما يُطرح من مشاريع بالنسبة إلى الساحتين الفلسطينية واللبنانية، حيث تبرز في الأولى مخططات التهجير، لا سيما من قطاع غزة، بينما في الثانية تبرز المساعي إلى محاصرة نفوذ "حزب الله"، من منطلق أنّه، بالإضافة إلى نتائج الحرب العسكرية، خسر الممر البري والحاضنة الإقليمية الأهم، بعد سقوط النظام السوري السابق.
في هذا الإطار، لا يمكن إنكار أن في المنطقة العديد من الجهات الفاعلة، التي ترى نفسها متضررة من المشاريع الأميركية الإسرائيلية، بالرغم من أنها كانت، على مدى سنوات، على تعارض مع النفوذ الإيراني.
هنا، تتحدث الأوساط السياسية المتابعة عن أنه في الساحة الفلسطينية يأتي الرفض العربي لمشاريع التهجير، خصوصاً بالنسبة إلى الدولتين المعنيتين بشكل مباشر، أي مصر والأردن، نظراً إلى أن التجارب الماضية، فيما يتعلق بخروج الفلسطيني من أرضه، كانت في كل مرة تمثل أزمة وجودية في الدول المجاورة، كما حصل في الأردن ولبنان.
وترى هذه الأوساط أن هذا الواقع يفرض على الجانب العربي البحث عن خيارات بديلة، حيث الهدف بالوصول إلى مقترح يحقق هدفين أساسيين: الأول تثبيت الفلسطينيين في أرضهم، أما الثاني فهو تقديم ما تحتاج له إسرائيل بالنسبة إلى الهواجس الأمنية، بينما في الساحة اللبنانية المشكلة تتعلق بالهدف الأميركي، أي محاصرة نفوذ "حزب الله"، على إعتبار أنّه، حتى ولو تعرض لضربات موجعة، لا يزال يملك نفوذاً كبيراً.
من وجهة نظر مصادر سياسية مطلعة، هنا تبرز نقطة مفصلية مرتبطة أيضاً بالطرح العربي، لأن بعض الدول تطمح إلى وراثة النفوذ الإيراني في المشرق العربي، الأمر الذي لا يمكن أن يكون عبر وقوفها على الحياد، وبالتالي من المفترض أن تقدم طرحها الذي يتعلق بالواقع اللبناني، في حال كانت راغبة في ذلك، الذي من المفترض أن يشمل نقطتين أساسيتين: الإنسحاب الإسرائيلي وإعادة الإعمار، من دون أن يقود إلى المزيد من التوترات الداخلية.
في المحصلة، ترى هذه المصادر أن المظلة الأساسية للطرح العربي، سواء في فلسطين أو في لبنان، لا يمكن أن تكون إلا السعودية، لكن السؤال الأبرز يبقى قدرتها على قيادة المواجهة، الدبلوماسية طبعاً، في ظل كل المؤشرات التي تؤكد أن تل أبيب غير مهتمة بكل الثوابات التي تتمسك بها الرياض، تحديداً بالنسبة إلى حل الدولتين في الملف الفلسطيني، مع العلم أن فشلها أو عدم توفر فرص نجاحها سيعيد الأمور إلى المربع الأول.