قد ينقسم اللبنانيون وبعض الدول الإقليمية حول الموقف من شخصية الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي استشهد خلال الحرب الأخيرة، وقد يقول البعض ان الحزب توفي يوم وفاة امينه العام السابق، وقد يعتبر الكثيرون انه لم يعد من مجال للحزب للعودة الى سابق عهده، ولكن...
ما شهده العالم اجمع خلال حفل تشييع نصر الله وخليفته الذي استشهد ايضاً هاشم صفي الدين، اعطى الرسالة الواضحة التي رغب الحزب في ايصالها الى كل من يعنيه الامر، ومن لا يعنيه. وخلاصتها ان حزب الله لم يمت، بمعنى انه قد لا يعود الى سابق عهده وقوته، ولكنه من المؤكد انه سيبقى حاضراً على الساحة، وسيعمل على تعويض تراجعه العسكري بحضور سياسي وازن وفاعل لا يمكن لاحد ان ينكره.
لقد علمتنا التجارب اللبنانية السابقة ان أي زعيم لطائفة معيّنة يستشهد او يتم اغتياله، غالباً ما يكون جسر العبور للحزب الطائفي الذي ينتمي اليه، كي يبقى حياً ويكمل طريقه في درب الحياة العامة اللبنانية، اكان الحزب او التيار السياسي المعني مسيحياً ام سنياً ام شيعياً ام درزياً... لذلك، فإن التشييع الذي حصل بالأمس، هو دليل صارخ على ان الحزب بدأ يعدّ العدة للعودة القوية الى الساحة، فبالامس "فش خلقه" وقام بكل ما يريد (الا التحركات والمواجهات العسكرية)، واثبت ان الانتخابات المقبلة التي حرصت الحكومة على الإعلان عن عزمها على اجرائها في مواعيدها، اكانت بلدية ام نيابية، ستكون ترجمة عملية لهذه الحشود، وان اسم نصرالله سيكون كافياً لشد العصب الشيعي حول الحزب وكسر المحاولات الجادة لالغائه عسكرياً وسياسياً. وبالتالي، كما كان نصر الله ورقة الحزب الرابحة حين كان اميناً عاماً، فإنه سيبقى هذه الورقة الرابحة حتى بعد غيابه، وسيتحول عند كل استحقاق الى نقطة اجتذاب يتحلّق حولها أبناء الطائفة الشيعية في لبنان. وفي حال تمكن الحزب بطريقة ما، بعد سنوات في المدى الطويل، من استعادة إمكاناته العسكرية والسياسية كافة، فما من احد يمكنه ان ينكر ان السبب الأول يعود الى "السيّد"، الذي سيعمّر لعقود من الزمن وسيحضر عند كل مناسبة، وسيحفّز من يحتاج الى التحفيز كي ينضم الى قافلة الحزب.
اما في حال لم يتمكن حزب الله من استعادة إمكاناته العسكرية، فسيعمل بكل قوة وجهد على التركيز للحفاظ على حضوره السياسي، الذي سيكون بالنسبة اليه طريقة لاستمرار محاولات تعزيز قدراته العسكرية قدر الإمكان، وهي خطوة لن تكون سهلة بتاتاً في ظل المتغيرات والتطورات التي شهدتها المنطقة، والزخم الأميركي والإسرائيلي البارز الذي فرض نفسه بقوة منذ أواخر العام الفائت وحتى اليوم، خصوصاً مع وصول الرئيس دونالد ترامب الى السلطة من جديد ووضع أفكاره ومواقفه قيد التنفيذ. انها معركة النفس الطويل، في انتظار ان ينقلب "دولاب النفوذ" وهو امر قد يحصل بعد سنوات طويلة، وقد لا يحصل بتاتاً اذا ما عرفت واشنطن كيفية استغلال الفرصة الذهبية التي سنحت لها، والتي قد لا تشهد مثيلاً لها في المنطقة ككل، وارست قواعد لا يمكن اللعب بها او تخطيها كي تنشر صورة الشرق الأوسط الجديد الذي عملت له منذ بداية الالفية، بجهد وثبات بغض النظر عن الحزب الحاكم في البيت الأبيض، وحصده للأسف، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأساليبه وطرقه المجنونة والمجرمة، على ان تبدأ شعوب المنطقة ككل تلمّس النتائج في وقت قريب، مع التأكيد على ان حلم الدولة الفلسطينية كما كان عليه سيبقى مجرد حلم، وستنعم إسرائيل بسنوات من النفوذ غير المسبوق نأمل الا يكون طويلاً، لانه سيكون على حساب لبنان ودول المنطقة كافة.