بعد سيل من الاعتراضات العربية، من المُحيط إلى الخليج، يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بات غير مُتمسك تماما بالخطة التي اقترحها للسيطرة على قطاع غزة المُدمر، ونقل سكانه إلى دُول مُجاورة. فقد قال ترامب: "إنها مُجرد فكرة أوصى بها".

وفي مُقابلة أُجريت معه يوم الجُمعة الماضي، قال ترامب إن "قادة الأُردن ومصر، رفضوا الخطة، واعتبروا أن من الظلم تهجير الفلسطينيين بغير إرادتهم". وأضاف لبرنامج "برايان كيلميد شو"، عبر إذاعة "فوكس نيوز": "فاجأني قولهم ذلك بعض الشيء، ولكن هذا ما فعلوه"، مُكررا مرة جديدة، أن الولايات المُتحدة تدفع للدولتين "مليارات الدولارات سنويا" كمُساعدات.

وتابع ترامب: "خطتي هي الحل. وأعتقد أن هذه الخطة ستنجح حقا، ولكنني لا أفرضها. سأكتفي بأن أُوصي بها". وقد جاءت تعليقاته فيما اجتمع عدد من القادة العرب، في الرياض، لصوغ مُقترح لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، يكون بديلا من الخطة الأميركية.

ولكن، هل أعاد الرئيس الأميركي فعلا، النظر في سياسته الشرق أوسطية؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ وما هو موقف الرئيس الأميركي تاليا، من غاز غزة؟.

لقد جاءت الانعطافة الأميركية، بعد القمة الأميركية - الأُردُنية في واشنطن، وبعد "القمة العربية الطارئة" التي كانت دعت إليها مصر لمُناقشة التطورات الخطرة في الشرق الأوسط.

كما وجاءت، بعدما شددت المملكة العربية السعودية، على رفضها تصريحات نتنياهو في شأن تهجير الفلسطينيين. وأكدت وزارة الخارجيتها، في بيان، الأَحد 9 شباط 2025، "رفضها القاطع لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في شأن تَهجير الفلسطينيين من أَرضهم، والتي تستهدف صرف النظر عن الجرائم المُتتالية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأشقاء الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك ما يتعرضون له من تطهير عُرقي"...

كما وبرز في القاهرة، تناغُم مصري، رسمي وشعبي، لإحباط خطة ترامب، تهجير سُكان قطاع غزة إلى مِصر، فيما استبعد خُبراء مصريون أن يُؤثر أي استخدام أميركي لملف المُساعدات العسكرية على الموقف المصري.

وتزامُنا، أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن "طرد الشعب الفلسطيني أو تهجيره، ظُلم لا يُمكن أن تُشارك مصر فيه أو تسمح به"، في مُحاولة منه، لوقف الضُغوط الأميركية - الإسرائيلية على القاهرة.

وأما في موضوع المُساعدات العسكرية الأميركية، ووفقا لما نقلت وكالة "سبوتنيك" عن خُبراء، فإن مصر تتمتع بعلاقات مُتعددة على مُستوى الحُلفاء. وقد نوعت مصادر تسليحها في العُقود الأخيرة، حيث بات السلاح الأميركي ضمن منظومة تسليح مُتعددة المصادر، منها روسية وأُوروبية وصينية، ما يجعل ملف المساعدات الأميركية التي تأتي في شكل قطع غيار وأسلحة غير مُؤثر، وفق هؤُلاء الخُبراء.

ترامب والغاز

وعن موقف الرئيس الأميركي من الغاز في غزة، ربط بعض الخُبراء بين خطة ترامب بالغاز، على اعتبار أن الخطة ستار دُخاني لإخفاء سياسة الطاقة لدى ترامب.

وفي هذا الإطار كتبت صحيفة "آسيا تايمز"، أن خطة ترامب "تتعلق كُلها بالغاز الطبيعي"، في حين أَشار أحد الكُتاب في "بلومبرغ"، إلى أنه ينتظر "أول تقرير مُروع يزعم أن الرئيس ترامب يسعى إلى الغاز الطبيعي في غزة".

وتُطالب غزة بمساحة من الأراضي، تحت الماء، تحتوي على احتياطيات من الغاز الطبيعي، تصل إلى نحو تريليون قدم مُكعب من الغاز، وهو ما يكفي لتزويد الأراضي الفلسطينية بالطاقة، مع إمكانات إضافية للتصدير.

لقد دارت نقاشات سابقة، على مدى عقدين من الزمن، لتحديد أفضل السبل لاستغلال الحقل. كما وأُحرز تقدم ضئيل، حيث واجهت حُقوق الحفر والتراخيص، نقاشات وتأخيرات في مُنعطفات مُختلفة. غير أن التطور الأخير، حصل قبل هجوم "حماس" على "إسرائيل"، في 7 تشرين الأول 2023. فهل ذلك من قبيل الصدفة؟

إنه التطوير الأولي لحقل غزة البحري، سعيا إلى التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية ومصر، وفقا لوكالة "رويترز".

ويرى بعض الخبراء، أن هدف ترامب، على المدى الطويل، هو السيطرة على غزة، من أجل الوصول إلى الغاز الطبيعي، في حقل غزة البحري.

ولكن ذلك، لن يكون "ذا عائدات مهمة"، على اعتبار أن تريليون قدم مُكعب من الغاز الطبيعي، لا يُمثل كمية كبيرة من الغاز، بالنظر إلى كمية الغاز التي تستهلكها الولايات المُتحدة يوميا. (بحسب "إدارة معلومات الطاقة" الأميركية، في حُلول نهاية العام 2022، كان لدى الولايات المُتحدة، احتياطيات إجمالية مُؤكدة من الغاز، تبلغ حوالي 691 تريليون قدم مُكعب"، ما يجعل تريليون قدم مُكعب من غزة، بمثابة قطرة في دلو الولايات المُتحدة... ولكن، في المُقابل، من شأن هذا الرقم أن يُغير حياة غزة نفسها!.

وفي اختصار، من غير المسموح لغرة، كما وللُبنان، استخراج الغاز، ورُبما حتى إشعار آخر... وبشُروط مُحددة لم تتبلور بعد.

البعض وصف فكرة ترامب في السيطرة على غاز غزة بأنها "الفكرة الأسوأ" والتي "لن تنجح"، في حين اقترح آخرون أن الخطة هي "تكتيك تفاوضي ذكي".

وبعد كل هذا، هل بات الرئيس ترامب، على قناعة تامة، بأن العالم لا يسير، بالضبط، وفق توقيته... وتاليا، ليس بالضرورة أن تكون كُل التطورات، رهنا بهذا التوقيت؟.

لقد قال المُحلل غوست هيلترمان، مِن "مجموعة الأزمات الدولية"، يوما، مُتحدثا عن ترامب: "... جميعنا يعلم أن ترامب لا يُمكن التنبُؤ بتصرُفاته، ولديه مدى اهتمام قصير جدا". وتساءَل: "هل سيسعى (ترامب) إلى تنفيذ اتفاق (الهدنة الفلسطيني – الإسرائيلي؟ أم سيفقد الاهتمام؟"...