لم يكن بإمكان العدو الإسرائيلي أن يُمرر نهار تشييع الأمينين العامين لحزب الله السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين مرور الكرام، فهذا اليوم الذي أراده الحزب استفتاءً شعبياً بعد خروجه من حرب قاسية يستفز إسرائيل، التي بدأته بسلسلة غارات من الجنوب إلى البقاع وختمته بتحليق لطيرانها الحربي على علو منخفض جداً فوق المدينة الرياضية في بيروت.

عندما نقول أن الطيران الحربي الإسرائيلي يحلّق على علوّ منخفض يكون القصد أن صوت هديره مسموع بشكل قوي، لكن ما حصل فوق المدينة الرياضية للعاصمة اللبنانية بيروت لم يكن تحليقاً منخفضاً إنما تحليقاً فوق الرؤوس مباشرة، ليس فوق الرؤوس فقط بل فوق السيادة اللبنانية.

كان المشهد مهيباً أرادت من خلاله إسرائيل أن تقول "الأمر لي" ومن يتجرأ على قول "لا" ستكون نهايته كما السيدين الشهيدين، ولكن المشهد تحول من محاولة التخويف والتهديد إلى توجيه المشيعين لرسالة صمود وتحدي، فكانت القبضات المرفوعة رسالة مدوية ساهمت بشدّ العصب في نهار تاريخي كالأحد.

أبعد من المشهد والرد عليه، كان لافتاً في صور التقطها مصورون، إحداها تابعة لوكالة "أ ف ب" وجود الطائرة الحربية الإسرائيلية، التي تمنحها الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل، بالقرب وفوق طائرة للجيش اللبناني هي طائرة من نوع "سوبر توكانو"، والتي للمناسبة قدمتها الولايات المتحدة الأميركية هبة للبنان منذ حوالي 7 سنوات.

هذا المشهد بداية يعكس التفوق الجوي الإسرائيلي، وهو لا نقاش فيه، ولكنه يعكس أيضاً "نوع السيادة" التي يُريدها الغرب والأميركيون للبنان، والتي ستبقى منقوصة ومهددة من قبل الإسرائيليين، دون حسيب أو رقيب، ودون حتى قدرة على التصدي، إذ أن الصورة التي تجمع الطائرتين تُظهر كيف تُريد أميركا أن تكون اسرائيل، وكيف تُريد أن يكون لبنان.

تمتاز طائرات "سوبر توكانو" بكونها ذات محركات مروحية توربينية، وهي تُعتبر طائرات "هجوم خفيفة"، تستعمل في مكافحة حركات التمرد والإرهاب، بالإضافة إلى تدريب الطيارين، وهذا بالضبط ما تُريده الولايات المتّحدة من لبنان، أن يكون جيشه قادراً على مواجهة حركات التمرد وعصابات الجرود من الإرهابيين أو الإرهابيين في المخيمات كما حصل في معركة نهر البارد، أما لمواجهة الخطر الحقيقي المتأتي من اسرائيل فلا داعي لأيّ سلاح، لأن المطلوب هو التفوق العسكري الإسرائيلي على كل القوى والدول في هذه المنطقة.

في احتفال تأبين السيد نصر الله كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري حاضراً بالأصالة عن نفسه وممثلاً لرئيس الجمهورية جوزاف عون، كما كان رئيس الحكومة اللبنانية حاضراً من خلال الوزير محمد حيدر، إذ يمكن القول أن أركان الدولة كانت حاضرة، وكانت الطائرات الإسرائيلية رسالة واضحة حول "مستقبل سيادة لبنان"، ورغم ذلك لم يكن هناك أي بيان رسمي يندد على الأقل بالحادثة.

في هذه المناسبة التقى صديق لي بشخص عراقي أتى من بغداد لحضور تشييع السيد نصر الله، فسأله العراقي، ألم يكن رئيس الجمهورية ممثلاً، قال بلى، ثم سأل، ألم يكن رئيس الحكومة ممثلاً، قال صديقي بلى، فقال العراقي: "إذا كيف تقبلون أن يمرّ الطيران الإسرائيلي فوق رؤوس "الدولة"؟.

أيها الضيف الكريم، نحن نسأل السؤال نفسه، فهذه هي السيادة التي يُريدها الغرب لنا.