اعتاد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ان يخرج من الصعوبات والمشاكل التي يجد نفسه فيها على غرار ما يقوله المثل اللبناني "مثل الشعرة من العجينة"، بمعنى انه في حين كان يرى الجميع انه في مأزق وأزمة قد لا يخرج منها بعافيته السياسية والشعبية، كان يقلب الأمور "بطريقة ما" ويبقى على زخمه المتّبع، والشواهد كثيرة من الانتخابات النيابية، الى العقوبات الأميركية، الى الخلاف مع القوات اللبنانية بعد مصالحة تاريخية، ومع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعد ان كانا "الديو الديناميكي" لعهد الرئيس السابق العماد ميشال عون...

اليوم، تختلف الأمور، والواقع يشير الى انها المرة الأولى التي يجد فيها باسيل نفسه في وضع حرج وغير قادر على قلب الأمور لصالحه. وعلى الرغم من إعلانه انه قريب من رئيس الحكومة الحالي نواف سلام (خلال الاستشارات النيابية الملزمة)، ومع ان غالبية المستشارين والقريبين من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون هم من الرعيل القديم للرئيس السابق، الا ان الأمور ذهبت نحو نتيجة واحدة وهي ان التيار الوطني الحر ورئيسه اصبحا في مقلب المعارضة، وهذا يعني ان تركيز التيار الحالي بات منصباً على هدف واحد وهو تقوية الحيثية والقاعدة الشعبية. في هذا المجال، قد يلجأ التيار الى استراتيجيّة خصمه السياسي اللدود أي حزب القوات اللبنانية، الذي تمرّس في هذا المجال لسنوات، واتّبع اسلوباً ناجحاً قضى بتعزيز قاعدته الشعبية وهو خارج السلطة، بحيث يربح في الشعبيّة ما خسره في السياسة والمراكز في الدولة.

ووفق ما هو ظاهر، فإنّ على باسيل ان يغيّر نهجه واستراتيجيته، لانها لم تعد توصله الى أهدافه، وعليه الإسراع في استلحاق هذا الامر، لان الانتخابات لا ولن ترحم، فقد طرأت أمور كثيرة ستوجب عليه تغيير تحالفاته وشبكات اتصالاته وتواصله مع باقي الافرقاء، من الثنائي الشيعي الذي لم يعد فيه على علاقة متينة مع حزب الله بحيث كانا يتبادلان الأصوات في عدد من المناطق، الى تيار المستقبل الذي يتجهّز للعودة الى الساحة بعد غياب عن الساحة السياسية والانتخابية، الى القوّات التي لا يزال الخلاف معها في عزّه، الى باقي الاحزاب والتيارات السياسية التي لا يبدو حتى الآن انها على استعداد لفتح الأبواب له لتشكيل كتلة معارضة قادرة على إيصال الصوت.

يجد باسيل اليوم نفسه امام خيار لم يعتد عليه، فلا "ارنب سيخرج من قبعته السحرية"، كما كان استلهم من رئيس مجلس النواب نبيه بري في تعاطيه مع المشاكل السياسية التي كانت تواجهه. الاعتماد يجب ان يكون على القاعدة الشعبيّة، ولا بد في هذا السياق من العودة الى الجذور، ولكن هذا الامر يتطلب وقتاً وتخطيطاً دقيقاً، انما عامل الوقت لا يصبّ في مصلحة رئيس التيار الوطني الحر، لذلك، سيكون من المنصف القول انه في حال أجريت الانتخابات البلديّة والاختيارية والنيابية في مواعيدها المحددة، فإن الخطر يحوم بقوة حول حضور التيار في المرحلة المقبلة، وقد يضطر الى ان يعيش فترة قاسية تمتدّ لسنوات قبل ان يسترجع قوته وصورته، كما كانت الفترة التي عاشها تيار المستقبل مع قرار رئيسه التنحّي عن العمل السياسي لفترة من الوقت، علماً ان باسيل ليس في وارد القيام بالمثل، وسيواصل العمل السياسي "باللي بيبقوا".

لن يقصي احد التيار الوطني الحر عن العمل السياسي، ولكن نفوذه سيتراجع بقوّة خلال الفترة المقبلة، في انتظار ان "يهندس" باسيل سياسة جديدة في تلك الفترة تسمح له بالعودة الى الساحة بقوّة ووفق ما يرغب فيه هو وانصاره.