أكد رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان أن "البحث في إصلاحيات المالية العامة لا ينتظم ما لم يتناول أربعة مواضيع أساسية هي النظام الضريبي، الموازنة، الحسابات المالية والإقراض والاقتراض".

وفي كلمة له، خلال طاولة مستديرة حول "إصلاحات المالية العامة في لبنان: التحدّيات والآفاق" نظّمتها المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، في المعهد العالي لإدارة الأعمال (ESA) بالتعاون مع السفارة النروجية في لبنان، لفت كنعان الى ان "الإصلاح ليس أمراً مؤقتاً ويتطلّب القناعة بالحاجة إليه، والإرادة على القيام به، آملاً في أن يتوفر ذلك لدى الحكومة الجديدة، ونحن في المجلس النيابي جاهزون لمواكبة هذه العملية بالتشريعات اللازمة".

وتابع :"يسرني أن أشارك في هذه الندوة لتبادل الآراء حول إصلاحات المالية العامة في لبنان، هذا الموضوع الذي كان، ومازال، شغلي الشاغل منذ أن تعاطيت الشأن العام، ولاسيما خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة التي توليت فيها رئاسة لجنة المال والموازنة النيابية التي اتخذت من الإصلاح هدفاً رئيسياً لها فأصدرت أكثر من أربعين توصية للحكومة تتناول مواضيع إصلاحية يتعلق أبرزها بالمالية العامة وإدارة القطاع العام".

أضاف :"وإن كان الإصلاح شأنا متكاملاً يشمل جميع الشؤون السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والإدارية... إذ يتأثر الإصلاح في شأن ما بما يحصل في الشؤون الأخرى وينعكس عليها، فيبقى للإصلاح المالي نكهة خاصة على اعتبار أن المال عصب حياة الدولة كما هو عصب حياة الأفراد والجماعات والمؤسسات العامة والخاصة وعلى اعتبار أن الإنفاق العام هو من أسباب وجود الإدارات العامة، لتأدية الخدمات العامة ولإعادة توزيع الثروة في المجتمع".

وشدد كنعان على أن "البحث في إصلاحيات المالية العامة لا ينتظم ما لم يتناول أربعة مواضيع أساسية أفرد لها الدستور اللبناني المواد من 81 ولغاية 88 منه، عنيت بذلك: النظام الضريبي، الموازنة، الحسابات المالية، الإقراض والاقتراض".

ولفت كنعان الى انه "على الصعيد الضريبي، لا بد من إخضاع النظام الحالي لإصلاخات بنيوبة تصل إلى حد إعادة النظر بالنظام الضريبي الحالي القائم على الضرائب النوعبة، وعلى طغيان الضرائب غير المباشرة، بنظام ضريبي أكثر عدالة، وذلك بإحلال الضريبة الموحدة على المداخيل مكان الضرائب النوعية من جهة، وباختيار معايير تمكن جعل الضرائب غير المباشرة تراعي أوضاع وقدرات المكلفين بها من جهة ثانية، مما يحقق العدالة والمساواة بين المواطنين في تحمل الفرائض والواجبات العامة كما تقضي أحكام الفقرة (ج) من مقدمة الدستور والمادة السابعة منه، لا الاكتفاء بنتف من التعديلات التي تدخلها الحكومة في كل مشروع موازنة دون رؤية واضحة وشاملة لنظام ضريبي عادل ومنصف.

وإن كان إحداث الضرائب وتعديلها لايتم إلا بقانون كما تقضي أحكام المادتين 81 و82 من الدستور، إلا أن مبادرة اقتراح التعديل في هذا الشأن يجب أن تأتي من السلطة الإجرائية لأن لديها الوسائل والقدرة على القيام بهذا الجهد الجبار الذي يجب أن تشارك فيه جميع القوى الفاعلة في المجتمع لكي يأتي النظام الضريبي الجديد على قدر الآمال".

وشدد أنه "على صعيد الموازنة، فالإصلاح يقتضي أن تكون الموازنة شاملة جميع نفقات الدولة ووارداتها دون استثناء عملاً بأحكام المادة 83 من الدستور التي تنص على ما يلي: كل سنة، في بدء عقد تشرين الأول، تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً، مما يقتضي أن يكون الموازنة شاملة كل نفقات الدولة ووارداتها، بحيث تضم القروض والهبات ونفقات المجالس والهيئات والصناديق والمؤسسات التي تعمل لصالح الدولة لا لصالحها الخاص كمجلس الإنماء والإعمار ومجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة والصندوق المركزي للمهجرين".

واعتبر كنعان ان "الإصلاح يقتضي أن يقتصر مضمون قانون الموازنة على ما أجازته المادة الخامسة من قانون المحاسبة العمومية بنصها على ما يلي:

قانون الموازنة هو النص المتضمن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة. يحتوي هذا القانون على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات وإجازة الجباية وفتح الإعتمادات للإنفاق وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة، مما يعني بأن قانون الموازنة يقتضي أن يقتصرعلى تقدير النفقات والواردات وإجازة الجباية وفتح الاعتمادات (أي إجازة الإنفاق)، وعلى الأحكام الخاصة التي لها علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة، كنقل الاعتمادات، وفتح الاعتمادات الاستثنائية، وتوزيع الاعتمادات المشتركة، وإجازة الاقتراض، وتدوير الكسور، وتحديد قيم التكاليف الهالكة، وذلك دون سائر المواد التي درجت الحكومات السابقة على تضمينها مشروع قانون الموازنة خلافاً لأحكام القانون فبلغت في مشروع موازنة العام 2024 مثلاً مائة وثلاثاً وثلاثين مادة؟".؟

ولفت كنعان الى ان "على صعيد الحسابات المالية النهائية، فالإصلاح يقتضي التقيد بأحكام المادة 87 من الدستور التي تنص على إن حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة وسيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبات، مما بعني ثلاثة أمور أساسية: انتظام تقديم الحسابات المالية النهائية في مواقيتها،ومعالجة موضوع الحسابات المالية المتأخرة منذ العام 1993 ولغاية العام 2023 ضمناُ، علماً بأن القيود الافتتاحية لكل سنة مالية مرتبطة بالقيود النهائية العائدة للسنة السابقة. وبت مصير أكثر من 27 مليار دولار مجهولة المصير، كما تبين بنتيجة تدقيق وزارة المالية لحسابات الفترة الممتدة من العام 1997 ولغاية العام 2017 ضمناً، هذا التدقيق الذي تم بناءً على طلب لجنة المال والموازنة منذ العام 2010 وبمتابعة حثيثة من قبلها طيلة فترة إجرائه".

اعتبر انه "تبرز أهمية الحسابات المالية النهائية لكونها الوسيلة الأساسية والوحيدة لإبراء ذمة الحكومة عن إجازتي الجباية والإنفاق اللتين منحتا لها بموجب قانون الموازنة، كما تبرز أهميتها في كونها تمكن من وضع إحصائيات سليمة. فجميع الإحصائيات التي تنشرها الحكومة اللبنانية مشكوك بصحتها لآنها لم تبنَ على حسابات سليمة، ومشكلة الحسابات المالية النهائية ليست تقنية كما يدعي البعض، وليست مسألة ميزان دخول وفقدان مستندات كما يزعم سواهم، بل هي نتيجة إهمال متوارث من قبل الإدارة المالية منذ العام 1979 حين تم وضع آخر حساب مدقق ومصدق حسب الأصول، ونتيجة إهمال الرقابة التسلسلية على أعمال هذه الإدارة، ونتيجة تقصير القضاء المالي في الرقابة والمحاسبة".

وأكد كنعان "أن الهدف من إنشاء ديوان المحاسبة في لبنلن كما يستفاد من أحكام المادة 87 من الدستور هو مراقبة صحة الحسابات المالية النهائية، أي الرقابة المؤخرة على تنفيذ الموازنة، وهذه هي المهمة التي أنيطت بديوان المحاسبة بموجب قانون إنشائه. إلا أن هذا القانون عدل لاحقاً وأنيطت به مهمة جديدة هي الرقابة المسبقة على تنفيذ الموازنة ضمن حدود معينة، فانصرف إلى الرقابة المسبقة وأهمل الرقابة المؤخرة".

وعلى صعيد الاقراض والاقتراض، فالإصلاح يقتضي التقبد بأحكام المادة 88 من الدستور التي تنص على انه لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهد يترتب عليه إنفاق من مال الخزانة إلا بموجب قانون، متسائلا :"إذ كم من عمليات اقتراض بواسطة سندات خزينة قد تمت لا لسبب إلا لامتصاص فوائض الودائع المصرفية، مما أدى في بعض الأحيان إلى ترتب فوائد على الخزينة تجاوزت قيمتها الألف مليار ليرة سنوياً على سندات خزينة فائضة عن الحاجة. وقد كان لهذا الأمر أثاره على تنامي الدين العام مما أدى إلى سقوط مقولة ليس المهم حجم الدين العام بل القدرة على خدمته ولاسيما منذ امتناع حكومة الرئيس حسان دياب عن تسديد أقساط وفوائد سندات اليوروبوند في شهر آذار 2020. ومعلوم أن مصير الودائع لدى المصارف مرتبط بالدين العام".

ورأى كنعان ان "مادام الحديث عن الاقراض والاقتراض فلا بد من كلمة الإصلاح الذي يقتضي أن يطال موضوع سلفات الخزينة التي نصت المادة 203 من قانون المحاسبة العمومية على أنها "إمدادات تعطى من موجوداتها:لتموين مستودعات الإدارات العامة بلوازم مشتركة بين أكثر من إدارة واحدة.

لشراء مواد قابلة الخزن ومعدّة للاستعمال في سنة مالية جارية أو لاحقة.لتغذية صناديق المؤسسات العامة والبلديات وكذلك الصناديق المستقلة المنشأة بقانون.أي أنها نوع من اقتراض الدولة من الخزينة.

ولفت الى أن "الحكومات المتعاقبة لم تحترم الضوابط المحددة لمنح سلفات خزينة. وقد بلغت قيمة سلفات الخزينة المجهولة المصير في تقرير وزارة المالية حوالي 10 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من العام 1997 ولغاية العام 2017 ضمناً".

وختم كنعان بالقول "إن الإصلاح ليس أمراً طارئاً ومؤقتاً ونهائياً، بل هو عملية ديناميكية ومتواصلة عملاً بالمبدأ القائل: كل ما لا يتطور يتحجر، إلا أنه يتطلب توفر أمرين أساسيين: القناعة بالحاجة إلى الإصلاح، والإرادة على القيام به.ونأمل أن يتوفر كلا الأمرين لدى الحكومة الجديدة، ونحن في المجلس النيابي جاهزون لمواكبة هذه العملية بالتشريعات اللازمة".