لطالما تحمل حزب الله عبء مواجهة العدو الإسرائيلي بعد قرار الدولة بالتخلي عن واجباتها في هذا السياق، إذ نشأت المقاومة بعد بدء الإعتداءات الإسرائيلية على الجنوب وعلى لبنان والتاريخ واضح لتبيان هذه الحقيقة. اليوم تقول الدولة أنها مستعدة لتحمل واجباتها من جديد، وهذا ما يعول عليه المجتمع الجنوبي، وإن كانت الثقة بالدولة وقدراتها لا تُبنى بين ليلة وضحاها.

يقول الجميع أن الدولة لها حقّ احتكار السلاح وبسط سيادتها على كامل أراضيها، ولكن يغيب عن البال أن هذا ليس حقاً للدولة بل واجباً عليها، فأبسط واجباتها تبدأ بتأمين الحماية لمواطنيها، وعندما تتخلى عن هذا الواجب لا يمكن تسميتها بالدولة، كذلك من أبسط التعريفات هي أن تكون سيادتها على كامل أراضيها وبالتالي اليوم نحن أمام فرصة لتعود "الدولة" دولة بالمفهوم الصحيح.

لا شكّ أن الحرب الاخيرة على لبنان بدلت بالكثير من الموازين، وأنهت قواعد ردع كانت "المقاومة" عملت على تمتينها خلال عشرات السنوات، ولا شكّ أيضاً أن حزب الله وكما يظهر من خلال خطابات أمينه العام الشيخ نعيم قاسم يُريد لهذه الدولة أن تتحمل مسؤوليتها، وبحسب مصادر مطلعة فإن نقاشاً دار داخل الحزب حول هذه المسألة بالتحديد وخلصت النقاشات إلى تحميلها لمسؤولياتها في صدّ العدوان الاسرائيلي المتمثل اليوم باحتلال أراض لبنانية وتنفيذ غارات في أكثر من مكان دون حسيب أو رقيب.

تُشير المصادر إلى أن الحزب سيدعم الدولة لتنفيذ ما يلزم، ولكن لا يمكن النظر إلى الاحتلال سوى من باب تأكيد شرعية العمل المقاوم، خصوصاً ان هذه المقاومة فقدت الكثير من شرعيتها الشعبيّة داخل لبنان مؤخراً، وبالتالي فإنّ بقاء الاحتلال الإسرائيلي في الداخل يُعيد بناء هذه الشرعية إنما بانتظار اللحظة المناسبة للتدخل، وهي قد تأتي أو لا تأتي بحال نجحت الدولة بمهمتها.

ترى المصادر أن بقاء الاحتلال في الجنوب وانتشار الجيش اللبناني سيخلق صدامات بين الإسرائيليين والجيش، مما سيُعطي صورة حول كيفية تعامل الدولة معها كون الجيش يعمل وفق قرار سياسي، مشددة على أن بقاء الاحتلال وعدم نجاح الوسائل السياسية والدبلوماسية سيكون قد أعطى المقاومة "شرعية" العمل للتحرير ولو كان العمل من خلال مجموعات جديدة قد تنشأ أو تحت مسمّيات عديدة كمقاومة أبناء الجنوب لتحرير أرضهم.

لذلك كان القرار الراجح داخل الحزب هو ترك الدولة لتحمل مسؤولياتها، مع العلم أن يوماً بعد آخر تتكشف الأهداف الإسرائيلية وراء الاحتلال، إذ يُشير الإسرائيليون إلى أن البقاء في لبنان هو جزء من استراتيجية دفاعية لهم تمتد حتّى سوريا وصولاً لفلسطين المحتلة، وتقوم على بناء خط دفاعي داخل البلدان التي تشكل خطراً على الكيان، ولذلك بقيت القوات الاسرائيلية في لبنان ووسعت انتشارها واحتلالها في سوريا وهي تعمل للبقاء على طول حدود غلاف غزة وعلى الحدود المصرية الغزّية.

كذلك سيكون هناك نصيب لمنطقة الضفة الغربية حيث تكشف المصادر أن الاسرائيليين وسعوا وجودهم في سوريا حتى درعا، لتشكيل خط الدفاع الأول على الحدود مع الأردن حيث يعتبرون أن هذه المنطقة تشهد تدفقاً للسلاح من سوريا باتجاه الأردن وصولاً حتى الضفة الغربية.

لن تكون مهمّة الدولة اللبنانية سهلة في تحرير الأراضي اللبنانية، ولذلك ستنتظر المقاومة الظروف المناسبة والوقت المناسب للتحرك، بعد أن تكون قد استنفذت كامل الوسائل للتحرير.