منذ بداية التسريبات الإسرائيلية، التي كانت تتحدث عن التوجه إلى عدم الإلتزام الكامل بإتفاق وقف إطلاق النار، تحديداً بالنسبة إلى البقاء في النقاط الخمس، كانت العديد من الأوساط السياسية تعتبر أن الأمر سيكون بمثابة ضربة كبيرة، لإنطلاقة عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة نواف سلام، لكن تل أبيب قررت الذهاب أبعد من ذلك، عبر تكريس مبدأ "حرية الحركة"، من خلال إستمرار عمليات الإغتيال عبر الغارات الجوية في العديد من المناطق.
بغض النظر عمّا يُطرح، من قبل البعض، بالنسبة إلى بنود الإتفاق المعلنة أو إلى إحتمال وجود أخرى سرية، لا يمكن النظر إلى الخطوات الإسرائيلية إلا على أساس أنها ستقود، في نهاية المطاف، إلى إسقاط مفهوم الدولة، القادرة على بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، إنطلاقاً من عجزها عن وقف الإعتداءات التي تحصل بشكل يومي.
هذا الواقع، يدفع إلى طرح الكثير من الأسئلة حول السيناريوهات المحتملة في المرحلة المقبلة، في ظل شعور الجانب الإسرائيلي بالقدرة على تجاوز كل الخطوط الحمراء في مختلف الساحات الإقليمية، لا سيما في ظل الدعم الذي تحظى به من قبل الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، حيث تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن تل أبيب، رغم كل التحولات التي حصلت في الأشهر الماضية، ما كانت لتستمر بهذا النهج من دون ضوء أخضر من واشنطن، عبر عنه وزير خارجيتها يسرائيل كاتس، عبر تأكيده أنه لا يوجد سقف زمني لبقاء القوات الإسرائيلية، في المنطقة العازلة في جنوب لبنان.
الضوء الأخضر الأميركي لا يقتصر على الساحة اللبنانية، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، التي تلفت إلى أن الأمر يشمل كل من الساحتين الفلسطينية والسورية، من ضمن رؤية تقوم على أساس أن ذلك سيقود إلى إنهاء الحروب في منطقة الشرق الأوسط، إنطلاقاً من النتائج التي أفرزتها المعارك العسكرية بعد عملية "طوفان الأقصى"، لكن بالنسبة إلى واشنطن ذلك يجب أن يتم وفق ما تقتضيه مصالح تل أبيب، بغض النظر عن مواقف باقي الدول الأخرى، سواء كانت من الحلفاء أو الخصوم، بدليل ما طرحه ترامب بالنسبة إلى الحل في قطاع غزة.
حتى الآن، لا يزال "حزب الله"، بالنسبة إلى الساحة المحلية، يتعامل مع التطورات من منطلق إفساح المجال أمام الخيار الدبلوماسي، الذي تتبناه الدولة اللبنانية، لا سيما أن ظروف العودة إلى المواجهات العسكرية قد لا تكون متوفرة اليوم، ما يفرض مجموعة واسعة من التحديات على الدولة، التي تسعى إلى الذهاب لفتح ملف سلاح الحزب، عبر الحديث المتكرر عن حصرية إحتكارها السلاح، بالتزامن مع التشديد على أن الجيش هو المولج الدفاع عن البلاد.
ما تقدم، يدفع المصادر السياسية المتابعة إلى التأكيد أن الدولة لديها فرصة لإثبات حضورها، لكنها تشير إلى أن ذلك لن يكون بالسهولة التي يتصورها البعض، خصوصاً أن الجانب اللبناني لا يُعير أي أهمية إلى ما تطرحه، في حين أن الولايات المتحدة لن تذهب إلى الضغط على تل أبيب من أجل بيروت، لا بل تذهب إلى أن الأخطر يكمن بما هو مطلوب منها، بحسب ما يصدر عن بعض المسؤولين الأميركيين، لناحية الذهاب إلى نزع سلاح "حزب الله" أو الانضواء ضمن مسار السلام في المنطقة.
في المحصّلة، تشدد المصادر نفسها على أن هناك مجموعة من المعادلات التي تسعى تل أبيب إلى تكريسها، بحسب المعطيات الراهنة، أهمها تكريس الإحتلال و"حرية الحركة" بحجة بقاء سلاح الحزب، في حين أن الدولة لا تستطيع أن تبادر إلى أي خطوة جدية، في الشق الداخلي من المسألة، من دون أن تكون قد أثبتت قدرتها على الحماية، ما يفتح الباب، في حال إستمرار الواقع الحالي، أمام إحتمالين: العودة إلى مسار المواجهة العسكرية أو الذهاب إلى أزمة داخلية، بالرغم من ترجيحها ألاّ يكون ذلك في وقت قريب.