على وقع الجولة الّتي أجراها رئيس الحكومة نواف سلام في الجنوب أمس، أشارت مصادر وزاريّة لصحيفة "الجمهوريّة"، إلى أنّه إذا كان ملف الإعمار يشكّل محور العمل الحكومي في هذه المرحلة، فإنّ "الشغل الأساس في هذا السبيل يتركّز على توسيع مصادر التمويل العربية والدولية، لتمكين لبنان من إتمام هذا الأمر، والدفع في اتجاه ترجمة سريعة للوعود التي قُطعت للبنان في هذا المجال، على أن تسبقها وتواكبها خطوات حكومية سريعة في مجال الإصلاحات والإجراءات؛ التي من شأنها أن تعزّز ثقة المجتمع الدولي بلبنان".

السلاح... السلاح

ولفتت الصّحيفة إلى أنّ "في موازاة ذلك، يبرز ملف معقّد، يبدو أنّه يتقدّم على ما عداه في أوساط محلية وخارجية. إذ إنّ ملف الإعمار وإن كان يحظى بمواقف داعمة دولياً، فإنّه، وفق معلومات موثوقة لمصادر سياسية رفيعة، يفتقد إلى الحماسة التطبيقية لهذا الدعم، وتوفير المساعدة اللازمة للحكومة لتجاوز هذا التحدّي الخانق بآثاره الاجتماعية على شريحة واسعة من الشعب اللبناني".

وكشفت المصادر عينها لـ"الجمهورية"، أنّ "تبعاً لما ينقله الدبلوماسيّون والموفدون من بعض العواصم، يبدو أنّ ملف إعادة الإعمار يشكّل بنداً متأخّراً عن البند الأول في أجندة الدول والمتعلق بسلاح "حزب الله"، ونزعه ليس فقط جنوبي الليطاني، بل شمالي النهر".

وأعربت عن خشيتها أن "يكون استمرار إسرائيل في احتلالها النقاط الخمس مرتبطاً بنزع سلاح "حزب الله"، لافتةً إلى أنّها لا تخرج من حسبانها أن "تشهد المرحلة المقبلة ضغوطاً متعدّدة المصادر حول ملف السلاح، واتخاذه ذريعة للابتزاز في ملف المساعدات لإعادة الاعمار".

واشنطن: خطر السلاح

ضمن هذا السياق، أفاد عائدون من الولايات المتحدة الأميركية للصحيفة، بأنّ "مسؤولا أميركيا كبيرا حمّل "حزب الله" مسؤولية الحرب، جراء مغامرة أقدم عليها ورتبت عواقب وخيمة، ليس عليه فحسب بالهزيمة القاسية التي مُني بها، بل على لبنان بصورة عامة، بالدمار الكبير الذي لحق به وتعميق أزمته".

وأوضحوا بأنّه "وفق ما سمعوه، فإنّ الأولوية الأساسية للإدارة الأميركية توفير الدعم للجيش اللبناني كالتزام دائم، لتمكينه من أداء دوره ومهمّاته كجهة معنية وحدها دون غيرها بضمان الأمن والاستقرار في لبنان. وتبعاً لذلك، لم يَعُد مقبولاً استمرار احتفاظ "حزب الله" بالسلاح، لما يرتّبه ذلك من مخاطر على لبنان، ومسّ بالدولة اللبنانية، التي ترى واشنطن أنّ مسؤولية كبرى تقع عليها في هذا المجال، إذ لا يمكن لأي دولة تحترم نفسها أن تسمح بوجود سلاح غير شرعي في أيدي جهات غير شرعية، ينطوي على مخاطر جمّة، ليس بالنسبة إلى الأمن الوطني فحسب؛ بل بالنسبة إلى أمن المواطن أيضاً".

وركّز العائدون، بناءً على ما سمعوه من المسؤول الأميركي الكبير، على أنّ "أصدقاء لبنان وفي مقدّمهم الولايات المتحدة، ينظرون بأمل كبير إلى عهد رئيس الجمهورية جوزاف عون وإلى الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام، ولاسيما لناحية تأكيد حقّ الدولة في احتكار حيازة السلاح واستخدامه، ومسؤوليتها وحدها في حماية المواطن وضمان الأمن في لبنان؛ والنأي به عن أن يكون منصة لخلق توترات".

الحزب لم ينتهِ

من جهته، أكّد مسؤول وسطي بارز لـ"الجمهوريّة"، أنّ "حزب الله لم ينتهِ، فهو بلا أدنى شك يعاني وضعاً صعباً، لكنّه يبدو قادراً على النهوض إنما ذلك قد يستلزم بعض الوقت. لكن في الوقت الراهن، فإنّ صعوبة وضعه يبدو أنّها لا تسمح له بالتحرّك على ما كان عليه في السابق، ولذلك حسناً فعل بانكفائه في هذه الفترة -وهذه خطوة ذكية- بترك مسؤولية استرجاع التلال الخمس اللبنانية للحكومة، للتحرك دبلوماسياً ودفع العدو الإسرائيلي إلى الانسحاب من تلك النقاط".

وعمّا إذا كان واثقاً بنجاح الجهد الدبلوماسي في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس، أشار إلى أنّ "الدولة كما سمعنا جميعاً، مصمِّمة على خوض الحرب الدبلوماسية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للتلال الخمس، وتؤكّد وجود تطمينات بأنّ المجتمع الدولي يقف إلى جانبها لتحقيق هذا الهدف. لكنّ مسؤولين كباراً يشكّكون باستجابة إسرائيل للجهد الدبلوماسي".

وأعلن المسؤول "أنّني أتفق مع هذا الموقف، وأرى صعوبة كبرى تعتري المسار الدبلوماسي، وخصوصاً بعد إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي استمرار احتلال النقاط الخمس بموافقة أميركية لمدى زمني غير محدّد. أعتقد أنّ القرار النهائي في ما خصّ الانسحاب هو بيَد الأميركيِّين، والجهد الدبلوماسي ينبغي أن ينصبّ في اتجاههم، فوحدهم القادرون على إلزام إسرائيل بالانسحاب، وغير ذلك مضيعة للوقت".

موقف الحزب

وعن حقيقة وضع "حزب الله" وموقفه ممّا يثار حول سلاحه والمطالبات بنزعه، لفت مسؤول في الحزب لـ"الجمهورية"، إلى "أنّنا تعرّضنا إلى خسارات صحيح وخسرنا قادتنا، لكنّنا لم ننتهِ، ولن ننتهي. خصومنا يُريدون ذلك، ويستسهلون الكلام عن هزيمة وما شاكل ذلك، لكنّهم يعلمون أنّنا سنُخيِّب أملهم ولن نحقق لهم ما يُريدونه. أمّا في موضوع السلاح، فالمقاربات التي تتناوله من دائرة الخصوم والأعداء في رأينا مقاربات فارغة لسنا بصدد الدخول في سجالات حيالها، وكل شيء في أوانه".

وفي الإطار نفسه، شدّد أحد كبار مسؤولي "الثنائي"، في حديث لـ"الجمهورية"، على أنّ "الجهة الوحيدة التي تعرف تماماً إن كانت المقاومة قد هُزمت أم لا هي إسرائيل... فليسألوها وليتابعوا ما تقوله صحافتها ومسؤولوها ومستوطنو الشمال. صحيح أنّ "حزب الله" تلقّى بلا شك ضربات موجعة، لكنّه لم يُهزم، والشاهد على ذلك هو أنّ اسرائيل لم تتمكن من تحقيق أهدافها كاملةً".

وأضاف: "في اللحظة التي تمّ التوصّل فيها إلى اتفاق وقف اطلاق النار، كان "حزب الله" لا يزال قادراً على ضرب العمق الإسرائيلي وخصوصاً تل أبيب. ولو كانت قد حققت انتصاراً على "حزب الله"، فهل كانت ستطلب هي وقف اطلاق النار، وتنسحب من معظم المناطق التي توغلت اليها في الجنوب، فيما المستوطنون الإسرائيليّون لم يعودوا إلى الشمال، خوفاً من علم لـ"حزب الله" مرفوع على أحد المنازل المدمّرة على الحدود؟".

واعتبر المسؤول أنّ "ملف السلاح مرتبط بالحوار المنتظر حول الاستراتيجية الوطنية للدفاع، وهذا الأمر رهن بما سيقرّره رئيس الجمهورية في شأن الحوار، علماً أنّ مداولات تجري في بعض الأوساط تعكس الرغبة في إطلاق هذا الحوار في المدى المنظور".

وعن الموقف من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، ركّز على أنّ "هذا الأمر برسم راعيَي اتفاق وقف إطلاق النار ولجنة مراقبة تنفيذه التي ترأسها الولايات المتحدة، والدولة اللبنانية أخذت على مسؤوليتها متابعة هذا الأمر، فيما "حزب الله" ملتزم بمندرجات اتفاق وقف إطلاق النار وبتطبيق القرار 1701 جنوبي الليطاني. وبطبيعة الحال هذا الأمر لا يعني شمالي الليطاني، وبالتالي فإنّ المطالبة بنزع السلاح الآن، في ظل الاعتداءات والخروقات والتهديدات واستمرار الاحتلال، أمرٌ ينطوي على خطر جسيم على لبنان بصورة عامة".

حزب الله أنجز 91% من ملفات التعويضات

من جهتها، ذكرت صحيفة "الأخبار" أنّ "مع انسحاب القوات الإسرائيلية من معظم القرى والبلدات الحدودية، باستثناء المواقع الخمسة المعلن عنها، باشرت مؤسسة "جهاد البناء" عمليات المسح والكشف في المناطق المتضررة، في جنوب لبنان، وسط تباطؤ حكومي في رفع الأنقاض وإطلاق عملية إعادة الإعمار، التي تشير التقديرات إلى أنها قد تستغرق بين ثلاث وأربع سنوات".

وبيّنت أنّ "جهاد البناء" أنجزت مسحاً شاملاً لأضرار العدوان الإسرائيلي، تضمّن تسجيل 292 ألف وحدة سكنية وتجارية متضررة في مختلف المناطق اللبنانية. وحتى الآن، تم تحويل 265 ألفاً منها إلى مرحلة تسديد التعويضات، أي ما يعادل 91% من إجمالي الملفات، مع دفع 324 مليون دولار كمساعدات إيواء للعائلات التي فقدت منازلها بالكامل".

لبنان يحبط عملية تهريب أموال من إيران إلى "حزب الله" عبر تركيا

على صعيد منفصل، أفادت صحيفة "الشرق الأوسط" بأنّ "جهاز أمن المطار اللبناني أحبط محاولة تهريب أكثر من مليوني دولار أميركي من إيران إلى لبنان، عبر مطار صبيحة في تركيا، يُعتقد أنها مرسلة إلى "حزب الله"، وذلك بعد حظر هبوط الطائرات المدنية الإيرانية في مطار بيروت، وإخضاع الرحلات المقبلة من العراق للتفتيش الدقيق".

وكشف مصدر أمني للصحيفة، أن "الجمارك اللبنانية ضبطت حقيبة كان يحملها اللبناني (م. ح)، لدى وصوله إلى المطار على متن رحلة تابعة لطيران "بيغاسوس" التركية مقبلة من مطار صبيحة، ووصلت إلى مطار بيروت الساعة 9:15 صباحاً"، مؤكّدًا أن "الأموال غير المصرّح عنها بلغت قيمتها 2.5 مليون دولار، وجرت مصادرتها وختمها بالشمع الأحمر".

وأشار إلى أنّ "ناقل الأموال اعترف بأنه سافر ليل الخميس من مطار بيروت، ووصل إلى مطار صبيحة منتصف الليل، حيث مكث في السوق الحرّة لساعات، وهناك التقى بشخص إيراني وتسلّم منه حقيبة المال، حيث عاد اللبناني إلى بيروت وبقي الآخر في تركيا".

وعَدَّ المصدر الأمني أن "الكشف عن هذه العملية، محاولة جديدة من "حزب الله" للحصول على الأموال من إيران عبر تركيا بعد إقفال وسائل تمويله من البرّ عبر سوريا، وبعد حظر الرحلات المقبلة من إيران، والتفتيش الدقيق لمئات المقبلين من الخارج إلى بيروت، في حال توفّر شبهات عن دور لهم في عمليات مثل هذه"، لافتاً إلى أن ذلك "ينسجم مع الإجراءات الأمنية التي فرضتها ظروف الحرب الإسرائيلية على لبنان، وحتى لا يكون المطار موضع شبهة أو عرضة للاستهداف".

وعلمت "الشرق الأوسط" أن "مصادرة المال المضبوط حصل بإشارة قضائية". وفسّر مصدر قضائي للصحيفة أن "السبب في مصادرة هذه الأموال أن حاملها لم يصرّح عنها مسبقاً، ولم يحدد أسباب نقلها إلى لبنان"، مؤكّدًا أن "جهاز أمن المطار يطبّق الإجراءات القانونية، إذ لا يمكن لأحد إخراج مبالغ مالية نقدية تفوق قيمتها الـ50 ألف دولار، ما لم يصرّح عنها ويحدد وجهة استخدامها، لأن أي تهريب غير مبرر يندرج في خانة تبييض الأموال".