لفت راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ​ابراهيم مخايل ابراهيم​، إلى أنّ "الصّوم هو مسيرة روحيّة تهدف إلى تجديد الإنسان من الدّاخل، واستعداده للقيامة مع المسيح. هو ليس مجرّد ممارسة شكليّة، بل هو تحوّل عميق، عبور من الظّلام إلى النّور، من العبوديّة إلى الحرّيّة، ومن العادات الّتي تقيّد الرّوح إلى نمط حياة جديد يقود إلى الخلاص والشّركة الحقيقيّة مع الله. هو خارطة طريق تعلّم الإنسان كيف يجوع إلى الله ويحرّر نفسه من قيود الخطيئة ويعيش القيامة كواقع يومي".

وشدّد، في رسالة الصّوم الّتي وجّهها إلى الكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين والمؤمنات والأصدقاء، على أنّ "الصّوم هو مفتاح الحرّيّة الحقيقيّة، حيث يكشف الإنسان أعماقه ويدرك مواطن الضّعف فيه، ويستعدّ للتّجديد والنّضج الرّوحي والإلتزام الحقيقي في الإيمان".

وأشار المطران ابراهيم إلى أنّ "الصّوم يدعو الإنسان إلى الخروج من الرّوتين الرّوحي والممارسات الشّكليّة، ليستعيد الشّغف والحيويّة في صلته بالله. هو فرصة لكلّ مؤمن ليدرك مكمن الحقيقة في حياته، ويكشف له ما يحجبه عن النّور الإلٰهي".

وأوضح أنّ "الصوم يعني الإصغاء إلى الروح القدس، وإعادة توجيه الحياة نحو ما يستحق الإلتزام والتكريس. هو زمن المسامحة والمصالحة والعطاء، وهو زمن الكشف عن الأعماق المخفية في القلب، لكي يستطيع الإنسان أن يقدم نفسه قربانا نقيا أمام الله".

كما اعتبر أنّ "الصوم هو دخول في رحلة تحول، حيث تطهر الذات ويزال كل ما يعيق النمو الروحي ويحدث الإنقسام بين الإنسان وخالقه. هو الوقت الذي فيه يدرك المؤمن أن القبر لا يكون نهاية، بل نقطة البداية لحياة جديدة. لذٰلك فإن الصوم يدعو كل واحد منا ليسمح لنور المسيح أن يدخل إلى مواطن الظلمة في نفسه، ويحولها إلى نور وقوة وحياة"، متسائلًا: "هل نحن مستعدون للسير في هٰذه الرحلة والقيامة مع المسيح؟".

وأكّد ابراهيم أنّ "الصوم ليس مجرد ممارسة ظاهرية، بل هو رحلة روحية نحو العمق، حيث نلتقي بالله في أعمق أعماق قلوبنا. "ولكن الآن، يقول الرب، ارجعوا إلي بكل قلوبكم، وبالصوم والبكاء والنوح" (يوء 2: 12). فالصوم دعوة لإعادة ترتيب أولوياتنا، للبحث عن الله لا في المظاهر الخارجية، بل في جوهر الحياة".

وركّز على أنّ "في عالم مليء بالضوضاء، نحن بحاجة إلى الصمت كي نسمع صوت الله. المسيح نفسه كان ينسحب للصلاة في الخلوة، فكيف بنا نحن؟"، داعيًا إلى أن "نخصص وقتا يوميا للصلاة، للصمت، للتأمل في كلام الله، لنمنح قلوبنا مساحة للنعمة الإلٰهية، ولندرب أنفسنا على الإصغاء لكلمة الله وتطبيقها في حياتنا اليومية".

ورأى أنّ "الصوم فرصة لنستكشف ذواتنا ولنحقق تغييرا حقيقيا في أنفسنا، فهو زمن التجديد والرجوع إلى الله، زمن نحاسب فيه نفوسنا ونطهر قلوبنا من كل شوائب الخطايا والضعف. لكل واحد منا "قبور" داخلية، مواطن ضعف وألم وعادات تثقل الروح وتبعدنا عن الله وتجعلنا أسرى للماديات والأهواء الشخصية".

وأضاف ابراهيم: "إن الصوم يدعونا إلى مواجهة هٰذه القيود والخروج منها بقوة الروح القدس، لنزيل الحجارة التي تغلق مداخل قلوبنا ونفتحها لنور المسيح، كي يضيء فيها ويحييها من جديد"، سائلًا: "كم من مرة نشعر أننا مكبلون بأثقال الحياة وأن قلوبنا مغلقة بأحجار الضيق والخوف والشك؟ ولٰكن إذا سمحنا للمسيح أن يلمس نفوسنا، فإنه يقيمنا معه إلى حياة جديدة، حياة تسودها المحبة والسلام والرجاء. فهل نكون مستعدين لهٰذه الرحلة المقدسة، ولندع المسيح يقودنا من قبور الضعف إلى نور القيامة؟".

إلى ذلك، لفت إلى أنّ "هٰذا الصوم هو فرصة مقدسة يمنحها لنا الله لنقترب منه أكثر، لنحدد مواقفنا ونجدد التزامنا بطريق الحق والبر، لنختبر التغيير الحقيقي في أعماقنا، فلا يكون صومنا صوما شكليا أو ممارسة جسدية فحسب، بل يكون صوما يطهر نفوسنا ويحول قلوبنا إلى هيكل حي للروح القدس. إنه زمن التجديد والتكريس، زمن التعامل بمحبة وتواضع، زمن الرجوع إلى الله بكل القلب والنفس والفكر".

وتساءل: "هل نحن مستعدون لنخرج من ظلام الخطايا وأثقال الحياة، إلى نور القيامة وحرية أبناء الله؟ هل نستطيع أن نزيل الحواجز التي تفصلنا عنه، وأن نتوب توبة صادقة تبدل كياننا وتعيدنا إلى درب الحق؟ لنجعل من هٰذا الصوم خارطة طريق لحياة مسيحية أعمق، لنحيا فيها الإيمان كواقع معاش، فيكون صومنا قربانا حيا يرتفع أمام الله، ويعيدنا إلى فرح القيامة ونعمتها".

وتابع: "الفي هذا الزمن المقدس، حيث ندخل مع المسيح درب الصوم والصلاة والتوبة، ندعوكم جميعا، أفرادا وعائلات، رهبانا وراهبات، كهنة وعلمانيين، إلى الالتفاف حول مذابح الرب ورفع القلوب بصدق وتضرع من أجل ​لبنان​، هذا الوطن الذي يحمله الله في قلبه رغم آلامه. إن أرضنا تعاني، وشعبنا يرزح تحت أثقال كثيرة، ولكن إيماننا بالله يبقى رجاءنا وثباتنا. فلنجتمع بالصلاة، طالبين شفاعة العذراء مريم، سيدة زحلة والبقاع وسيدة النجاة، وقديسينا الأبرار، كي يحل السلام في وطننا، ويمنح الله أبناءه الحكمة، وفقراءه العزاء، ومتعبيه القوة، ومظلوميه العدالة".