ليس غريباً على "إسرائيل" كل ما يجري في سوريا، فالمشروع جزء من رؤية إسرائيلية للمنطقة ككلّ، عمل المسؤولون في الكيان على تنفيذه منذ لحظة وصولهم إلى المنطقة عام 1948، وبالتالي ما كان بالإمكان، ولن يكون، فكّ ارتباط لبنان عن كل ما يجري في محيطه، وفي سوريا تحديداً.
عندما سقط نظام بشار الأسد، أُثيرت تساؤلات كبيرة حول مستقبل سوريا، رغم أن بعض كارهي الأسد وجدوا بانتصار الثورة أملاً ببناء غد سوري أفضل، بينما من كانوا يدعمونه، فكان دعمهم منطلقاً من أهمية موقع سوريا بالصراع العربي الإسرائيلي، والخطر الكبير على كل المنطقة بحال تبدلت "سوريا"، وهي تبدلت.
ليست المشكلة بما يُريده السوريون بخصوص نظامهم والأشخاص الذين سيحكمونهم، فهذا حق لهم وشأنهم الداخلي، إنما عندما يكون التأثير داخل سوريا وخارجها يصبح التدخل مختلفاً، وعندما كنّا نحذر من مخاطر ما يجري فيها كان يعتبر البعض التحذير دفاعاً عن نظام سابق، بينما الحقيقة هي في مكان آخر.
لم تأتِ جرمانا وأحداثها بسياق منفصل، وإن كانت الحادثة التي أدّت للمشكلة واضحة ومعروفة ويتم اليوم الانتهاء من ذيولها بعد الاتفاق الذي حصل بين السلطة الجديدة ومشايخ المنطقة، فبعد ساعات من الفوضى والتهديدات، كان الموقف الإسرائيلي واضحاً لناحية المشروع والهدف، فجرمانا في قلب دمشق، ورغم ذلك لم يتردد الجيش الإسرائيلي من تحضير آلياته للدفاع عن البلدة، استكمالاً للمخطط الإسرائيلي "بالدفاع عن الدروز" تمهيداً لإنشاء دولتهم، التي تبداً من شرق الجنوب اللبناني وصولاً إلى الحدود العراقيّة ناحية البوكمال، وهكذا تكون "اسرائيل" قد وصلت إلى حدود نهر الفرات.
سقط النظام في سوريا وجاءت السلطة الجديدة لتحاول تثبيت الحكم، ولكن العدو الإسرائيلي لم يترك مجالاً لأيّ أحلام وردية في سوريا، فدمّر مقدرات الجيش، واقتحم الجنوب السوري واليوم يمارس محاولات فصل الدروز في دولة مستقلة، ولا شكّ أن التقسيم هو أصعب ما يواجه سوريا، وبحال نجح المشروع سيكون لبنان الخاسر الأول والأكبر، ولذلك قد لا يكون مفهوماً منطق من من يطالب بحياد لبنان عن كل ما يجري في محيطه وكأنه جزيرة معزولة.
يُدرك رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط هذا الواقع، ويعلم أن تفتيت المنطقة لا يكون لصالحها ولو كان للدروز دولتهم التي ستكون ضمن الدولة "الإسرائيلية"، لذلك قرر التحرك بحسب مصادر مقربة منه، وتُشير المصادر إلى أنّ جنبلاط يسعى للعب دوره في مواجهة المشروع الإسرائيلي، ولكنه لوحده لن يكون قادراً على إيقافه، لأن أولى شروط المواجهة هو من الداخل أي من المعنيين فيه بشكل مباشر والمقصود هنا السوريين، لا الدروز فقط، فالسلطة الجديدة معنية بالمواجهة.
وتكشف المصادر أنّ جنبلاط طلب موعداً للقاء أحمد الشرع لمناقشة خطر المشروع الإسرائيلي، ولكن من قال أن الشرع يُريد المواجهة، أو من دعم الأخير يُريدون المواجهة، ومن قال أن تركيا التي دعمت الشرع لإسقاط الأسد لا تسعى لتمديد امبراطوريتها باتجاه دمشق، مقابل الصمت بخصوص مصير جنوب وجنوب شرق سوريا؟
أسئلة كثيرة يجب أن تُسأل اليوم عن مصير سوريا، ولكن الأهم بالنسبة للبنانيين بدء البحث في أسئلتهم الخاصة، فماذا عن لبنان بعد نجاح المشروع الإسرائيلي في سوريا؟!.