وعد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بأن تكون باكورة زياراته الى الخارج بعد تشكيل حكومة العهد الأولى، الى المملكة العربية السعودية، وقد وفى بوعده ولكن... يحلو للبعض المقارنة بين الزيارة الأولى التي قام بها سلفه العماد ميشال عون الى السعودية، وبين هذه الزيارة، فيما المقاربة بعيدة تماماً ولا تصلح كقاعدة، لاسباب عدة ابرزها واهمها المتغيرات التي طرأت على الوضع اللبناني والإقليمي بشكل عام، والنفس الجديد الذي يعمل به الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب.
وفي نظرة سريعة الى الزيارة التي قام بها الرئيس جوزاف عون الى السعودية، يتبيّن انها لم تكن "مناسبة"، ان من حيث الشكل او من حيث المضمون. فمن حيث الشكل، علّق الكثيرون أهمية كبيرة عليها فيما أتت لـ24 ساعة فقط (واقعيا لمدة ساعتين او ثلاث ساعات على الأكثر)، وفي شهر رمضان تحديداً حيث كان الليل هو الوقت المناسب لعقد اللقاءات والاجتماعات. وبدا وكأن الزيارة كانت فقط لعدم اخلال رئيس الجمهورية بوعده، وليفتتح بعدها زياراته الخارجية التي كانت محطتها الثانية القمة العربية الطارئة في القاهرة.
اما في المضمون، فكانت الزيارة "غامضة" الأهداف الى حد ما، وغلبت العموميات على ما تسرب منها من معلومات، فيما كان واضحاً ان غياب وفد وزاري كبير كان الحجر الأساسي الناقص فيها، خصوصاً وان الكلام يدور عن توقيع 22 اتفاقاً، فيما قيل ان الزيارة الثانية للرئيس عون ستكون برفقة الوفد المذكور وستكون هي الأساسية. وحتى البيان المشترك، لم يزل الغموض والضبابية عن الزيارة السريعة، فما جاء فيه لا يتناسب مع التطورات والتغييرات الجذرية التي طرأت، بل يمكن اعتماده في أي زمان.
ووفق ما يصدر عن بعض المراقبين الذين يتم تبادل الاحاديث معهم عن نتائج هذه الزيارة، فهم على اقتناع بأنها كانت "لزوم ما لا يلزم" خصوصاً بعد التأكيد على ان الثانية ستحصل، ولكنهم أشاروا الى انها قد تكون قد حملت الخطوط العريضة التي من شأنها ان تعبّد الطريق امام عودة السعودية الى نشاطها العارم في لبنان، وهذا يعني بطبيعة الحال، تقويض نفوذ الثنائي الشيعي، وتحقيق الشروط الأميركية القادرة وحدها ان تعطي الضوء الأخضر لاستعادة لبنان علاقاته مع الدول الصديقة والشقيقة، والا فإن مفهوم الاشقاء سيقف حتماً عند حدود الضوء الاحمر الأميركي. وفي هذا السياق، يتخوف المراقبون انفسهم من امكان مخاطرة الإدارة الأميركية الجديدة بلبنان، اذا ما اصرّوا على تطبيق شروطهم لاستعادة حيويته وعافيته الاقتصادية والمالية والسياسية، حتى ولو كان الثمن إرضاء إسرائيل ببعض المسائل التي تراها تل ابيب ضرورية لها ولامنها، ومن ذا الذي يمكنه رفض الامنيات الاسرائيلية في هذه الفترة؟.
ويقول المراقبون ان العودة الى الحضن العربي، كانت وستبقى، مرتبطة بالرضى الأميركي، والا سيبقى لبنان يحمل صفة الأخ غير الشقيق، بمعنى انه يحظى باعتراف العرب من دون ان يستفيد من أي مزايا او مكاسب، واذا ما ارضى الاميركيين، فلا يهم عندها ان رضي العرب عنه ام لا، فسيجد نفسه محتضناً من قبلهم وغارقاً في "محبتهم".
يسير لبنان اليوم على درب دقيق، فهو انتقل من واقع الى آخر من دون أي تحضير وبشكل مفاجئ، وعليه فإن السير على الدرب الجديد سيكون محفوفاً بالصعوبات، وعلى الاميركيين ان يدعموه لانهم كانوا السبب الرئيسي وراء هذا الواقع ولا يمكنهم الطلب منه اكثر مما باستطاعته تحمّله. فهل يصدق الغرب وبالتحديد الإدارة الأميركية الجديدة وتأخذ بيد لبنان وتتولى تحصينه، ام انها ستعيده الى المقولة الشهيرة التي اختبرها سابقاً: "قوة لبنان في ضعفه"؟ متسلحة بأن المقولة المضادة لم تنفع هذا البلد ولم تحقق الاهداف التي كانت موضوعة لاظهار قوته؟.