كل المؤشرات الراهنة، تؤكد أن الرئيس السابق للحزب "التقدمي الإشتراكي" يعيش هاجس مستقبل الزعامة، نتيجة التحولات القائمة على المستويين الداخلي والإقليمي، خصوصاً بعد سقوط النظام السوري السابق، نظراً إلى التطورات المتسارعة حيث تتوجه الأنظار إلى الواقع الدرزي في سوريا، في ظل محاولة إستغلالهم من قبل الجانب الإسرائيلي، الذي يريد أن يكونوا المدخل نحو تعزيز حضوره.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم الأسباب التي تدفع جنبلاط، بعد تيار "المستقبل" و"حزب الله"، إلى الدخول على خط توجيه الرسائل، عبر إثبات القوة الشعبية على أرض الواقع، إنطلاقاً من الاستعدادات القائمة لإحياء ذكرى إغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار الحالي، فهو يريد، من خلال هذه الذكرى، توجيه مجموعة من الرسائل، التي لا تنحصر في الساحة اللبنانية، التي ستكون في العام المقبل على موعد مع إنتخابات نيابية مفصلية.

بالنسبة إلى مصادر سياسية متابعة، العنوان الأساس يمكن إستشكافه من خلال الهاجس الأكبر الذي يشغل بال جنبلاط، أي مستقبل دروز سوريا، ما يبرر معادلة أنه كان المبادر، قبل أي شخصية لبنانية أخرى، إلى زيارة دمشق سريعاً، للإجتماع مع رئيس القيادة الجديدة أحمد الشرع، نظراً إلى أنه كان يدرك، أكثر من غيره، حجم التحديات المنتظرة، في ظل المشروع الإسرائيلي الذي كانت معالمه قد بدأت بالظهور في السنوات الماضية، من خلال الدور الذي يلعبه الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف.

في هذا السياق، تلفت المصادر نفسها إلى أنه في السنوات الماضية لم يكن من الممكن الحديث عن إرتباط بين دروز سوريا والرئيس السابق للحزب "التقدمي الإشتراكي"، خصوصاً أن مواقفهم من الأحداث هناك لم تكن تتناغم مع مواقفه، لكن ذلك لم يؤثر على زعامته في لبنان، على عكس ما هو الحال اليوم، نظراً إلى أن الدور الذي يسعى إلى لعبه طريف من الممكن أن يكون له تداعيات أكبر، خصوصاً أن هناك من يتفاعل معه في الساحة المحلية.

بناء على ذلك، يمكن التأكيد أن جنبلاط بات يدرك أن مستقبل أي تطور على الساحة السورية سيكون له تداعياته في لبنان، ولذلك لم يتأخر في الإعلان عن قيادته المشروع المضاد للذي يأخذ طابعاً إنفصالياً، موجهاً سهامه إلى الشيخ طريف، على قاعدة أن الزعامة لن تكون مهددة ببعدها الإقليمي فقط، الذي كان من الممكن أن يتغاضى عنه، بل أيضاً في بعدها الداخلي، ولذلك من الطبيعي أن تكون إنطلاقة الرسائل الشعبية من لبنان، بالإضافة إلى السعي إلى لعب دور بالتنسيق مع القيادة السورية الجديدة.

من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، ما تقدم لا ينفصل عن أزمة أخرى يواجهها جنبلاط، تكمن بأن سعيه إلى نقل الزعامة إلى نجله، أي رئيس الحزب الحالي النائب تيمور جنبلاط، يواجه العديد من الصعوبات، التي لا تتعلق فقط بالشخص بل أيضاً بالأجواء المحيطة، ما اضطره إلى البقاء في المشهد السياسي، وبالتالي لم ينجح في نقل الزعامة بشكل كامل، وترى أن التطورات ستدفعه إلى التدخل بشكل أكبر، خصوصاً أن المعطيات توحي بأن الصراع سيكبر في المرحلة المقبلة.

في المحصّلة، تلفت المصادر نفسها إلى أن السؤال الأهم يبقى حول ما يستطيع أن يقدمه جنبلاط إلى دروز سوريا، طالما أن المواجهة الأساسية في تلك الساحة، خصوصاً أن المشروع القائم في دمشق، أي السلطة الجديدة، لا تمثل عامل جذب لهم، على الأقل حتى الآن، بل على العكس طبيعتها تدفعهم إلى الإبتعاد أكثر، على عكس ما يريد أو يتمنى هو، الأمر الذي سيتضح أكثر في الأيام المقبلة.