احترام الإنسان لا ينبع فقط من موقف أو تصرّف، بل هو شعور عميق ناتج عن الروح التي يشعّ بها. هناك أشخاصٌ يمرّون في حياتنا كنسمة لطيفة تترك أثرًا لا يُمحى، حتى دون لقاء يومي أو علاقة مباشرة. وهدى شديد واحدة من هؤلاء الأشخاص الذين يتركون في القلب بصمة محبة ورقيّ.

هدى، الإعلامية الاستثنائية، لم تفرض احترامها فقط بمهنيّتها وخبرتها، بل بأسلوبها الراقي في الحوار، وموضوعيّتها، وأخلاقها الرفيعة. أتقنت لغة التخاطب، وابتعدت عن الاستفزاز، وجعلت من عملها مدرسة في الدبلوماسية والهدوء. وحتى من لم يعرفها عن قرب، شعر بحضورها المختلف الذي يحمل صدقًا وتواضعًا وإصغاءً نادرًا.

أول لقاء جمعني بها كان في الشويفات عام 2004، حيث كانت تغطّي الانتخابات البلدية. كانت أسئلتها دقيقة، تعكس فهمًا عميقًا لخصوصية المدينة ومسار العملية الانتخابية. تكرّر التواصل لاحقًا، وكان دائمًا يترك في النفس انطباعًا طيبًا، يعكس نقاء روحها وبُعدها عن أيّ شكلٍ من أشكال التنافس السلبي.

هدى، هذه المناضلة في وجه المرض، لم تستسلم أبدًا، إذ تسلّحت بالإيمان والتقوى. محبتها الصادقة للناس ومحبة زملائها وزميلاتها لها كانت حصنًا حصينًا يمدّها بالقوة، فالحبّ الحقيقي أقوى من أيّ ضعف، والإيمان يجعل كل تجربة بابًا للرجاء.

تكريمها في القصر الجمهوري لم يكن مجرد تقديرٍ لمسيرتها المهنية، بل جاء إشادة بحضورها الإنساني العميق. هي تستحق التكريم في كل وقت، بصحتها ومرضها، لأنها نموذجٌ للإعلامي الذي يعمل بمحبة، وللإنسان الذي يحيا بسلام داخليّ. وكم من أشخاص مثلها يعانون بصمت، ويستحقّون دعمنا وصلواتنا ومحبتنا الصادقة.

كلّ من عرف هدى لديه معها قصة ملهمة. تحدّثت لي إحدى زميلاتها عن كيف كانت سندًا لها في مسيرتها الإعلامية، وكيف ساعدتها دون أن تنتظر مقابلًا، بعطاءٍ نابعٍ من محبة خالصة. هذه الوداعة التي تتمتّع بها هدى تذكّرني بكلام المسيح في الموعظة على الجبل: "طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ" (متى 5: 5). الوداعة ليست ضعفًا، بل هي قوّة الروح التي تحظى بمحبة الله والناس، وتمنح الإنسان بركات لا تعدّ ولا تحصى.

لا تنظروا إلى هدى شديد كإعلامية ناجحة فقط. أدعوكم أن تروا فيها إنسانة امتلأت روحها بنور الإيمان منذ معموديتها، فسارت في درب الحياة بسلام داخلي، رغم كل التحدّيات. في لحظة تكريمها، لم يكن الكلام عنها كلمات جميلة وحسب، بقدر ما كان شهادة حقيقية عن امرأة استطاعت أن تكون مصدر إلهام لكل من حولها.

وبهذه المناسبة، لا بدّ من تحيّة للأستاذ رفيق شلالا، الذي لطالما كان مثالًا في التواضع والرقيّ والمحبة الصادقة لرسالة الإعلام، فلم يتوانَ عن دعم زملائه، وخصوصًا هدى. وشكرٌ خاص لفخامة رئيس الجمهورية والسيدة الأولى على هذه اللفتة الكريمة التي تذكّرنا بأهمية الاحتفاء بالقلوب النقية التي تضيء عالمنا.

هدى، ثقي بأنّ الله يرعاك، فكما يقول المزمور: "أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ" (مزمور 55: 22). الله لا يترك أولاده، بل يحوّل التجارب إلى بركة، والآلام إلى مشاركة في محبّته.

امضي بسلام المسيح، وكوني على يقين بأن النور الذي فيك أقوى من أيّ ظلمة، وأن الإيمان الحقيقي هو الطريق إلى الفرح العميق الذي لا يزول.