مع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام، يُمكن القول إن قطار العهد الجديد قد انطلق. وفي ظل الملفات الكبيرة الملقاة على عاتقه، بدءًا من الأزمة الاقتصادية وليس انتهاءً بملف إعادة الإعمار، يواجه العهد تحديات أخرى أيضًا، منها تعزيز دور المرأة كشريك أساسي وفاعل في العمل السياسي لاسيما داخل مجلس الوزراء، وتكريس حقها في المساواة وإزالة جميع أشكال التمييز ضدها. فرغم التقدم الذي أحرزته المرأة اللبنانية في العديد من المجالات، إلا أن تمثيل السيدات اللبنانيات في السياسة ما زال يُعاني من محدودية وصعوبات كبيرة.
منذ الاستقلال عام 1943 وحتى اليوم، شهد لبنان 78 حكومة، لكن المرأة لم تتمثل سوى في 10 حكومات منها. وضمت هذه الحكومات الـ10، 24 وزيرة من مجموع 266 وزيرًا، أي ما نسبته 9% فقط.
كانت المرة الأولى التي توزّرت فيها المرأة في لبنان في حكومة الرئيس عمر كرامي في عهد الرئيس الأسبق إميل لحود، وضمت وزيرتين فقط. أما العدد الأكبر من الوزيرات فكان في عام 2020 مع حكومة الرئيس حسان دياب في عهد الرئيس الأسبق ميشال عون، والتي ضمت 6 وزيرات من أصل 20 وزيرًا، وكان بينهن نائبة لرئيس الحكومة ووزيرة للدفاع الوطني للمرة الأولى. وتأتي بعدها الحكومة الحالية برئاسة نواف سلام، التي ضمت 5 وزيرات. (الأرقام بحسب تقرير الدولية للمعلومات حتى ما قبل تشكيل الحكومة الحالية وبالتالي تم إضافة أرقام الوزيرات الحاليات للمجموع).
يناقش هذا التقرير التحديات التي تُعيق عمل المرأة في السياسة وأهمية لعبها لدورها على هذا المستوى وما هي الحلول المقترحة لتفعيله سواءً على المستوى السياسي، أو الإجتماعي والقانوني.
مشكلة بنيوية
تعاني النساء في لبنان الكثير من أوجه التمييز وفي مختلف المجالات من قوانين الإنتخاب إلى قانون الجنسية والعنف الأسري، وقانون العمل، هذا فضلاً عن الصور النمطية التي تُلصق بها. ومن أكثر ما يُشكل مشكلة للنساء هي العقبات أمام المشاركة الفعلية في الحياة السياسية العامة.
لا شك أن التمثيل الضعيف للمرأة اللبنانية في العمل السياسي، ولا سيما في الحكومات، يعود إلى مجموعة من التحديات التي تواجهها. فالثقافة الاجتماعية التقليدية في لبنان ما زالت حتى اليوم تضع قيودًا على دور المرأة في الحياة العامة والسياسية، مما يقلل من فرص وصول النساء إلى مراكز اتخاذ القرار في الحكومة. كما أن توزيع الحقائب الوزارية يتم وفقًا لاعتبارات طائفية وسياسية بعيدًا عن المساواة الجندرية.
وفي هذا الإطار، تشير وزيرة المهجرين السابقة غادة شريم إلى أن "الوصول إلى مجلس الوزراء هو نتيجة التعيين وليس الانتخاب، واختيار الوزراء يعود بالدرجة الأولى لرئيس الحكومة، وبالتالي لا يوجد معيار محدد للاختيار حتى تضمن المرأة حقها بالمشاركة الفاعلة"، معتبرةً أن "نسبة مشاركة النساء في الحكومة الجديدة لا تزال ضئيلة، كما كان لافتًا عدم إشراك أي وزيرة في لجنة صياغة البيان الوزاري".
من جهتها، اعتبرت رئيسة منظمة "مدنيات" السيدة ندى عنيد أن "التهميش يبدأ من أن صاحب القرار في اختيار الوزراء هو رجل، فإذا كانت الحكومة سياسية فالمرأة غير منخرطة بالشكل الكافي في الحياة السياسية، وإذا كانت حكومة تكنوقراط، فالخيار الأفضل بالنسبة للمعنيين هو اختيار الشخصيات المقربة من الأحزاب، وبالتالي استبعاد السيدات".
أما بحسب الناشطة في مجال حقوق المرأة، السيدة جمانة مرعي، "فالتحدي الأبرز أمام مشاركة النساء في العمل السياسي في لبنان هو تحدٍ سياسي بامتياز، والسبب يعود للنظام اللبناني الطائفي الذي لا يسمح للنساء بالوصول إلى مراكز صنع القرار بسهولة"، معتبرة أن "المشكلة هي في غياب الإرادة السياسية لدى الأحزاب والمكونات السياسية لإشراك النساء، كما أن السلطة الدينية لديها تأثير كبير ودور رافض لمشاركة المرأة".
ورأت مرعي أن "مع ازدياد المشاكل في لبنان، تترسخ فكرة رفض مشاركة النساء، ولذا نرى أن هذه المشاركة ترتفع في المجالات التي تعتمد على الخبرة والكفاءة، وتنخفض عندما يحتاج الأمر إلى تعيين كما في السياسة".
حلول باتت ضرورية
يتطلب تعزيز مشاركة المرأة في العمل السياسي في لبنان جهودًا متكاملة بين الحكومة، الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، من خلال تعديل القوانين وإصلاح النظام الانتخابي، بالإضافة إلى خلق بيئة سياسية شاملة تدعم مشاركة النساء الفعالة في صنع القرار.
وفي هذا الإطار، رأت شريم أن "التجارب أثبتت أن الشعارات والمطالبات لا تكفي لحصول المرأة على حقها في المشاركة بالعمل السياسي، وبالتالي لا بد من الضغط الفعلي لإيجاد قوانين تحفظ هذا الحق، وعلى رأسها الكوتا النسائية"، معتبرةً أن "الجمعيات تقوم بدور إيجابي في هذا المجال، كما أن على السيدات النواب أن يتجاوزن أحزابهن ويشكلن معًا لوبيًا ضاغطًا في المجلس النيابي لإقرار هذه القوانين، خصوصًا أننا على أبواب الانتخابات البلدية والنيابية".
بدورها، شددت عنيد على أن "الحل لإشراك المرأة في العمل السياسي بشكل عادل يكون من خلال الفرض بواسطة القوانين".
ومن الحلول التي يمكن العمل عليها للتغيير ولتعزيز حقوق المرأة والمساواة في بلد يلتزم المواثيق الدولية بحسب مؤسسة مهارات وفي الجانب السياسي، يجب ضمان تعزيز المشاركة السياسية للمرأة من خلال الكوتا النسائية في القوانين الإنتخابية وقوانين الأحزاب والتعيينات الرسمية. واعتماد السياسات الجندرية المتوازنة ضمن استراتيجيات الهيئات العامة والخاصة مثل الوزارات والإدارات.
من جهتها، رأت مرعي أن "الحل يبدأ من خلال العمل على البيئة الحاضنة للنساء على مستوى المجتمع، فالمشكلة ليست في المعرفة بل ما نحتاجه هو خلق آليات تمكّن المرأة من الوصول إلى مراكز صنع القرار، وبالتالي يجب أن نبدأ بالعمل على تغيير العقلية السائدة في المجتمع، بالتوازي مع تطوير أنظمة الحكم من القوانين الانتخابية والتشريعات اللازمة، مع التأكيد أن المرأة، وفق المعايير الديمقراطية، هي عنصر من عناصر المجتمع، والمشكلة ليست في تمكينها بل في غياب الإرادة السياسية لإشراكها".
أهمية مشاركة النساء في العمل الحكومي
يُمكن أن تُسهم مشاركة السيدات في الحكومة اللبنانية بشكل كبير في تحسين الأداء الحكومي على عدة أصعدة، من خلال إضفاء مزيد من التنوع في الرؤى والأفكار مما يساهم في تقديم حلول متنوعة لمختلف القضايا.
في هذا الجانب، تعتبر شريم أن "المرأة أثبتت من خلال الحكومات التي شاركت بها أنها قادرة على الإنجاز، فهي تدخل المعترك الحكومي بارادة مضاعفة لاثبات قدرتها"، مؤكدة أن "هذه المشاركة انعكست ايجابًا على العمل الحكومي في جانبين أساسيين، وهما مكافحة الفساد والتنظيم الإداري، وهذا الأمر يمكن ملاحظته في كل الوزارات التي تسلمتها السيدات على مدى الحكومات المتعاقبة، وهذا سيستمر مع الوزيرات في الحكومة الجديدة".
من جهتها رأت عنيد أن "المرأة ناخبة ومواطنة ولديها خبرات ونظرة مختلفة، ووفق المعيار الديمقراطي يجب أن يتم الأخذ بعين الاعتبار كل فئات المجتمع، وبالنسبة للكفاءة فمشهود لها بذلك، وبالتالي إذا تولت منصبا رفيعا مثل الوزارة ستجد نفسها أمام تحديات إضافية لاثبات قدراتها وتقديم جهد مضاعف ينعكس ايجابا على العمل الوزاري".
بدورها، شددت مرعي على أن "مشاركة المرأة في العمل السياسي تعزز من الشفافية وتساهم في الحد من الفساد في الشأن العام، وبرأيي وجود المرأة في مراكز صنع القرار مهم لكونها أكثر من يراعي مصالح الجميع نظرًا لدورها وخبرتها على مستوى العائلة، كما يزيد من التفاعلية والتشاركية"، مشيرةً إلى أن "فكرة بناء الدولة التي ينادي بها الجميع لا يمكن أن تستقيم إلا بوجود دور وازن للمرأة كشريك في عملية الإصلاح، ومن هنا أرى أن الحركة النسائية أمام فرصة للعمل الجاد من أجل جعل قضايا النساء في صلب عملية الإصلاح والتغيير".
ماذا عن القوانين؟
تلعب القوانين والتشريعات دورًا كبيرًا في تعزيز أو تقييد مشاركة المرأة في العمل السياسي. وفي لبنان وعلى الرغم من أن الدستور اللبناني وتحديدًا في المادتين 7 و 12 منه، يكفل مبدأ المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الجنس، إلا أن القوانين المعمول بها لا تزال تحتوي على ثغرات تحد من مشاركة المرأة السياسية.
ومن وجهة نظر المحامية في جمعية "كفى" ليلى عواضة، ما يعيق وصول النساء إلى المشاركة الفعلية في العمل السياسي هو التمييز الموجود ضد النساء في القوانين، لا سيما قوانين الأحوال الشخصية التي تفرض على المرأة الطاعة للرجل وتمنحه السلطة المنفردة والمطلقة داخل الأسرة.
ورأت عواضة أن "المرأة التي لا تملك سلطة القرار على حياتها الشخصية ولا تشارك بالسلطة الوالدية في ظل قوانين تكرس السلطة الأبوية، فكيف لها أن تشارك بالسلطة على المستوى السياسي؟، فقبل أن تتعدل صورة المرأة في الحياة الخاصة وتصبح شريكة فعلية داخل الأسرة عبر قانون موحد للأحوال الشخصية يساوي بين الجميع، لن نرى مشاركة حقيقية للنساء على المستوى السياسي".
كما يشكل النظام الطائفي في لبنان حاجزًا قانونيًا واجتماعيًا أمام مشاركة النساء في العمل السياسي، حيث يفرض تقسيمًا طائفيًا للمناصب ويعزز من الوجود الذكوري في الساحة السياسية. كما أن غياب الدعم الحزبي والتنظيمي الموجه نحو النساء يجعل من الصعب عليهن تحدي هذا النظام وإيجاد مكان في الحياة السياسية.
وعلى الرغم من التحديات القانونية والاجتماعية التي تعترض طريق المرأة في مختلف المجالات، إلا أنه يجب الذهاب نحو خطوات قانونية هامة يمكن اتخاذها لتوسيع نطاق مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية. منها ما تكشفه عواضة بالقول: "قمنا بتقديم اقتراح قانون موحد للأحوال الشخصية إلى مجلس النواب، وهي خطوة قانونية هامة في الاتجاه الصحيح نحو الاعتراف بالمرأة كفرد مستقل في المجتمع، بعيدًا عن التبعية للأب أو الزوج، وتعزيز مشاركتها الفعالة في السلطة، ويجب الضغط باتجاه إقراره".
في الختام، وعلى الرغم من التزام عدد من الحكومات المتعاقبة بالعمل على تعزيز دور المرأة في الحياة العامة، بما في ذلك على صعيد التعيينات الإدارية وفي المؤسسات الرسمية، لا سيما في المواقع القيادية، انطلاقًا من النصوص الدستورية ومضامين الاتفاقات الدولية التي انضم إليها لبنان والتوصيات التي وافق عليها، بالإضافة إلى تعهد العديد من الأحزاب اللبنانية بتقديم دعم لإقرار قانون الكوتا النسائية، إلا أن هذه الوعود والالتزامات ظلت حبرًا على ورق. وبالتالي، لا بد من العمل على أكثر من صعيد للدفع نحو تعزيز تمثيل المرأة في الحياة السياسية، والقضاء على كافة أشكال التمييز ضدها.