أكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" أنه "لا خلاص إلَّا بقيام دولة فعليَّة في لبنان تُعدُّ خارطة الطريق لقيامِها واضحة جدّا وتقوم على جمع كلّ سلاح غير شرعيّ في مهلة واضحة ومحدَّدة، عودة قرار الحرب والسّلم إلى الحكومة حصرًا، سيادة كاملة على الأراضي اللبنانيَّة برمَّتها، فضلا عن السيطرة الشرعيَّة والفعلية على الحدود الشماليَّة والشرقيَّة والجنوبيَّة".
وخلال الإفطار الذي أقامه وعقيلته النائب ستريدا جعجع، في معراب، اعتبر جعجع أن "هذا الشهر الفضيل يحلّ هذا العام وسط جوٍّ مختلف ومعطيات جديدة تعزّزُ منسوب الأمل، بقدرِ ما تحضُّنا على متابعة الجهود للوصول إلى برِّ الأمان، كي نفطِرَ على محيطٍ عربيٍّ متحرّر من كلّ هيمنة وتسلُّط، وعلى وطنٍ يوفِّرُ المستقبلَ الآمنَ لأبنائِه، بدولةٍ فعليَّة ناجِزَة السيادة".
ولفت الى انَّ "هذا اللقاء يأتي بعد مرحلة استثنائيَّة شهدَتها منطقتنا العربيَّة، وحَفِلت بالموت والدمار والآلام والدموع، لكنَّها عكست في الوقت عينه واقعًا يبعَثُ على أمل جديد لدى بعض شعوب المِنطقة، وخصوصًا لدى الشعبِين اللبنانيِّ والسوريّ، ولا سيَّما مع سقوط نظام الأسد الذي مثَّل أبشعَ نموذجٍ للدكتاتوريَّة والوحشيَّة، وكان في مقدِّمة الأنظمة إجرامًا وتنكيلاً وتسلُّطًا". وأكد ان "صمود الشعب اللبناني ونضالاته وتضحياته أثمرت، فقد تمكَّن من الحفاظ على جوهر هويَّة لبنان وسيادته وحريّته، وها نحن اليوم مع بداية نهاية فوضى استمرَّت عقودًا عدَّة، استُبيحَت خلالَها الدولة، ونُكِّل بدستورها، وصودِرَ منها القرار، ونُهبت مواردها، واغتيل قادتها وسياسيّوها ومفكّروها، لكنَّ العدالةَ الإلهيَّةَ لا تَخلِفُ بالعهودِ، ولا بدَّ أن تعود وتسود، مهما تعثَّرت أو تأخَّرت العدالة الأرضيَّة، كي لا تذهبَ هدرًا دماءُ الشهداء، وعلى رأسِهم بشير الجميِّل وكمال جنبلاط ورفيق الحريري".
أمَّا فيما يخصُّ القضيَّة الفلسطينيَّة، رأى جعجع: "ثمَّة عبارةٌ تعبِّر عن الواقع المؤسف: كم من الجرائم ارتُكِبت وتُرتكَب باسمِك وبحقِّك يا فِلسطين، عن سوءِ نيَّةٍ أو عن حُسنِ نيَّة. لقد تبيَّن بالوقائع التاريخيَّة أنَّ معظم المقاربات من أجلِ فلسطين، وخصوصًا من خلال اعتماد الفصائل المسلَّحة، أثبتت حتى الآنَ عُقمَها وعدمَ جدواها، وتبيَّن أنَّ الكثيرَ من هذه الظواهر والحركات كانت لأسبابٍ أخرى، لاسيَّما تلك التي قامت وتشكلَّت خارج الإطار الفلسطينيّ ولأسباب محليَّة ترتبط برهانات الوصول إلى السلطة أو بتوسيعِ نفوذ في المنطقة".
تابع: "إنّ المقاربة الوحيدة التي استرجَعت قسمًا من أرض فلسطين حتى الآنَ هي مقاربةُ منظَّمة التحرير الفلسطينيَّة، متمثِّلةً بالسُّلطةِ الفلسطينيَّة اليوم، لينبري البعض أخيرًا إلى المزايدة عليها، فدمَّروا أنفسهم، ودمَّروا قطاعَ غزَّة، وفتحوا الطريقَ أمامَ التحوُّلِ لاستهداف الضِفَّة الغربيَّة وأذيَّتها. إنَّ المعادلة الجِديَّة التي تؤدِّي إلى نتيجةٍ موضوعيَّةٍ هي المقاومة الشعبيَّة السلميَّة العارمة المستمرَّة، من دون تعبٍ ولا مللٍ وهوادة، مهما طالَ الزمن. هي المقاومةُ السياسيَّةُ انطلاقًا من حلِّ الدولتينِ وفقًا لمقرَّرات القِمَّة العربيَّة في بيروت عام 2002. وإذا كانت المقاربة الشعبيَّة تُشكِّلُ عامل ضغط فاعل عبر الاِضرابات والاعتصامات والتظاهرات في الأراضي الفلسطينيَّةِ وعواصمِ القرار، فإنَّ المقاربةَ السياسيَّةَ أثبتتْ نجاعتَها من خلالِ الوقائعِ الحاليَّة، فقد تمكَّنت مصر والمملكة العربيَّة السعوديَّة والأردنّ من إجهاض محاولة تهجير الفلسطينيِّين، على الرَّغمِ من ضُلوع أكبر وأقوى دول العالم في هذه المحاولة، في أحدث مَثَل للدّلالة على أنَّ القوَّةَ السياسيَّةَ، حيثُ فشِلَتْ القوَّة العسكريَّة، يمكِنُها تحقيق الكثير بالنسبة للقضيَّة الفلسطينيَّة؛ الأمر نفسه ينطبق على لبنان".
اما عن لبنان وعلاقاته العربية فجدد جعجع التأكيد انه ""ما بيصح إلا الصحيح"، فبعدَ محاولاتٍ مستميتة على مدى العقود الماضية لإخراج لبنان سياسيًّا من محيطه العربيّ، وزجِّه في محاورَ غير عربيَّة، عاد اليوم إلى علاقاته العربيَّة الصحيحة وشهِدْنا في الأيَّام الماضية أوَّل زيارة خارجيَّة يقومُ بها رئيس الجمهوريَّة العماد جوزاف عون للمملكة العربيَّة السعوديَّة، ومِنها إلى القاهرة للمشاركة في القِمَّة العربيَّة". وشدد على أنَّ "البيئةَ العربيَّة هي البيئة الطبيعيَّة للبنان، كما هو معروفٌ منذ استقلاله، ومهما حاول البعض إبعادَهُ عنها، فلن يحصد إلا الفشل، وسيبقى لبنان أمينًا وثابِتًا على علاقاته العربيَّة التاريخيَّة".
ودعا جعجع "المكوّنات اللبنانيَّة كافَّة إلى الالتفاف حول الدولة وسلطتها الشرعيَّة حصرًا، ونَبْذ أيّ مشروع يقوِّض أو ينال من هيبتها، كما إلى مراجعة عميقة لمختلف المراحل السابقة، بهدف أخذ العِبَر من حياتنا الوطنيَّة غير المستقرَّة وغير المنتجة، من أجل تطوير نظامنا للوصول إلى بناء مستقبل لا تعيشُ فيه أجيالنا المقبلة بخطر وقلق أو بقِلَّة وتعتير، كما عاشت الأجيالُ على التوالي منذ الاستقلال".
واعتبر انه "كان من الأفضل ان تعتمد الحكومة الحالية "شعار الإنقاذ والإصلاح" بدلا من "حكومة الإصلاح والإنقاذ". واضاف: "من المستحيل تحقيق أيّ إصلاح أو توفير أيّ استقرار، من دون تحقيق السيادة الكاملة والفعليَّة، من دون نقصان أو استثناءات، وبالتالي، الطريق إلى الإصلاحِ هو بقيام دولة فعليَّة. ولذلك، لا بدَّ من وضع النقاط على الحروف بشكل واضح ومباشر: إنَّ المُهمَّةَ الأولى للحكومة الحالية، وقبل أيِّ مهمَّةٍ ثانية أو ثالثة أو رابعة، هي الطلبُ المباشر والعلنيّ من الجيش اللبنانيّ البدء بتنفيذ ما ورد في خطاب القسَم، وفي بيانها الوزاريّ بالذات، وفي اتفاق وقف إطلاق النار، واستطرادًا في القرارات الدوليَّة 1559 و1680 و1701، وتأسيسًا على اتفاق الطائف، لجهة جمع كل السلاح غير الشرعيِّ، وتفكيك البُنى التحتيَّة العسكريَّة والأمنيَّة غير الشرعيَّة كلّها، وعلى كامل الأراضي اللبنانيَّة، ضمن مهلةٍ زمنيَّةٍ محدَّدةٍ وواضحة، كما وردَ أساسًا في اتفاق الطائف، ومن دون أيّ تباطؤ أو مماطلة أو تمييع".
وجدد التأكيد أن "اتفاق المجتمعين الدوليّ والعربيّ حول لبنان ليس ترفًا يمكن التعامل معه على التوقيت اللبنانيّ، بل يجبُ استثمار مُندرجات هذا الاتفاق كلّها، لتطبيق ما يجب تطبيقه، وبشكل فوريّ، لقيام دولة فعليَّة في لبنان، وإلَّا سنخسر هذه الفرصة كما خسرنا سابقاتها، منذ بدء الاستقلال وحتى اليوم، لاسيَّما في العامين 1990 و2005."
أمَّا بالنسبة للوضع في الجنوب، فشدد على "أنَّ بقاء إسرائيل على أيّ حبَّة تراب في أرض لبنان أمر مرفوض قطعًا ولا جدال فيه، ولكن ليس لدينا ترف الضَّحك على أنفسنا والآخرين، إذ لا يمكن محاربة هذا الاحتلال وإزالته إلَّا من خلال أصدقاء لبنان في العالم العربيّ وعلى المستوى الدوليّ، بالقوَّة السياسيَّة وعبر الوسائل الدبلوماسيَّة"، ولكن اشار الى انه "في هذا المجال، لن يستجيب لنا أصدقاؤنا العرب ولا الغرب، إلَّا بعد أن نكون قد أثبتنا أنفسنا وإرادتنا كدولة تفرض بشكل كامل وجديّ سيادتها على أراضيها كلّها، وتقبض بإحكامٍ على قرار الحرب والسّلم، وتحتكر كلَّ سلاح على الأراضي اللبنانيَّة برمَّتها".
وعلّق على من يتحدّث عن فشل القوَّة السياسيَّة والوسائل الدبلوماسيَّة، قائلا: "المضحك المبكي في الوقت عينه، أن الوسائل العسكريَّة لم تفشل فحسب، بل أدَّت إلى احتلال الأرض مجدَّدًا، واستجلاب الكوارث والموت والخراب بشكل غير مسبوق. لذا على الأقلّ، فلتهدأ هذه الأصوات النَّشاز، ولتُعد ما للدولة للدولة، وتُسلّم الأمر لها بشكل فعليّ وحصريّ ونهائيّ، مرَّةً لكلّ المرَّات، وعندها سنعرف ما إذا كانت الوسائل السياسيَّة والدبلوماسيَّة عربيًّا ودوليًّا ستعيدنا إلى خطّ الهدنة، وهو حدود لبنان الفعليَّة مع إسرائيل، أم لن تنجح في ذلك".
وتوقّف جعجع عند مسألة إعادة الإعمار التي أكد "أنها واجبٌ وطنيٌّ لا يمكن التخلّي عنه، الّا أننا بحاجة أيضًا إلى معونة العالمين العربيّ والغربيّ، للتمكُّن من إنجازه، فقد قدّر البنك الدوليّ كلفته بعشرةِ مليارات دولار، علما أنهما لن يُبادرا إلى المساعدة في إعادة الإعمار، قبل أن يتأكَّدا من قيام الدولة الفعليَّة المنشودة في لبنان، والتي تحتكر وحدَها حقَّ حمل السِّلاح واستعماله، ولها وحدها قرار الحرب والسِّلم، وهي التي تسيطر فعليًّا على الحدود وتضبطُها شرقًا وشمالًا وجنوبًا". وبالتالي، رأى أن "من يحرَص على إعادة الإعمار، عليه أوَّلًا أن يتوقَّف عن افتعال أيِّ عرقلةٍ، وأن يساعدَ الدولة في الوصول إلى هذه النُّقطة تحديدًا، للتمكُّن من بدء الإعمار كما ينبغي، وكما نرغب جميعًا".
إنطلاقا من هنا، ختم جعجع بإعادة التأكيد أن "لا خلاص إلَّا بقيام دولة فعليَّة في لبنان، وخارطة الطريق لقيامِها واضحةٌ جدًّا: جمع كلّ سلاح غير شرعيّ في مُهلةٍ واضحةٍ ومحدَّدة، عودة قرار الحرب والسّلم إلى الحكومة حصرًا، سيادة كاملة على الأراضي اللبنانيَّة برمَّتها، السيطرة الشرعيَّة على الحدود الشماليَّة والشرقيَّة والجنوبيَّة، سيطرة فعليَّة"، آملا بـ"تجدد اللقاء العام المقبل، وقد تحقَّقَ لنا لبناننا، دولة فعليَّة مشرقة، وطن فعليّ لجميع أبنائه، ومنارة لا تنطفئ في هذا الشَّرق".