في المبدأ، لا يفترض أن تكون تصريحات مسؤول ملف الموارد والحدود في "حزب الله" نواف الموسوي الأخيرة، والتي تحدّث فيها عن "قصور وتقصير" منح إسرائيل الفرصة لتحقيق ما عدّته "إنجازات" في الحرب الأخيرة، مثيرة للجدل، بل لعلّ الوصف الأنسب الذي ينطبق عليها قد يكون أنّها "جريئة"، باعتبار أنّ الرجل قال علنًا ما يقوله غيره في الغرف المغلقة، أو أنه ربما أفصح عن "شعور سائد" لدى شريحة واسعة من البيئة الحاضنة للحزب.

أكثر من ذلك، كان يمكن أن تُدرَج هذه التصريحات في خانة "المراجعة" التي يؤكد "حزب الله" أنّه ماضٍ بها حتى النهاية من أجل استيعاب كل ّالدروس والعِبَر، بل كان يمكن أن تُعتبَر فصلاً ثانيًا من "المصارحة" التي كان الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم قد بدأها في مرحلة سابقة، حين تحدّث عن الخسائر التي مني بها الحزب بنتيجة الحرب، ووضع الانتصار في سياق "الصمود الأسطوري"، نافيًا أيّ حديث عن "نصر مطلق"، وفق تعبيره.

ومع أنّ تصريحات الموسوي قوبلت بإشادة وتنويه حتى من داخل البيئة الحاضنة لـ"حزب الله" في اللحظات الأولى، إلا أنّ المفاجأة تجلّت في التسريبات التي أعقبتها، ولو لم يتمّ تأكيدها أو نفيها، إذ تقاطعت على الحديث عن "استياء عارم" داخل الحزب ممّا أدلى به الرجل، بل ذهبت لحدّ الإشارة إلى "إجراءات تنظيمية" ستُتّخَذ بحقّه، قد تصل لحدّ طرده من صفوف "حزب الله"، خصوصًا أنّها ليست المرة الأولى التي "يحرج" فيها القيادة.

ووفقًا لبعض التسريبات، فإنّ هذه الإجراءات قد سلكت طريقها عمليًا، بتجميد عضوية الموسوي الحزبية، ومنعه من الإطلالات الإعلامية، وهو ما يطرح السؤال، بمعزل عن مدى دقّته، حول دلالاته على صعيد "حزب الله" وجمهوره، فلماذا يستاء الأخير من تصريحات، يفترض أن تكون عنوان هذه المرحلة أصلاً، وأيّ رسالة يمكن أن تنطوي على "معاقبة" الموسوي على مثل هذا الكلام "الجريء"، وألا تعني بكلّ بساطة أنّ الحزب لم يتعافَ بعد؟!.

في المبدأ، الثابت الوحيد هو أنّ تصريحات نواف الموسوي أحدثت انقسامًا داخل البيئة الحاضنة لـ"حزب الله"، بقدر ما أثارت جدلاً في صفوف الرأي العام، وإن اتفق الجميع على أنّ ما قاله الرجل بدا "جريئًا"، علمًا أنّ لا جدال بأنّ نيّته كانت "صافية"، فهو أراد أن يفرغ ما سُمّيت بـ"إنجازات إسرائيلية" من مضمونها، باعتبار أنّها لم تتحقق بفعل "قوة"، وإنما نتيجة "قصور وتقصير" الحزب، وإن فُهِم ذلك "ضعفًا" لدى الأخير.

في مقابلته التلفزيونية، خرج الموسوي بكلام غير مسبوق، انطوى في مكانٍ ما على انتقاداتٍ "ضمنية" لأداء "حزب الله" خلال الحرب الأخيرة، بدءًا من "مجزرة البيجر"، مع ما انطوت عليه من خرق، تسبّب به عدم فحص الجهات المعنيّة داخل الحزب لأجهزة الاتصال، كما تفعل مع أمور أقلّ أهمية، وصولاً إلى اغتيال السيد حسن نصر الله، حيث أبدى الأخير استغرابه لوجود الأخير في الضاحية الجنوبية لبيروت، رغم كلّ المخاطر.

لا شكّ أنّ ما قاله الموسوي، قاله كثيرون قبله من مؤيدي "حزب الله" قبل خصومه، ممّن تألّموا بحقّ ومن القلب للخسائر التي مني بها الحزب، وعلى رأسها اغتيال السيد نصر الله، الذي يتّفقون على أنّ خسارته لا تعوَّض، إلا أن خروج الكلام بهذه الصراحة والجرأة، وعبر الإعلام، تسبّب بانقسام، بين من وجدوا أنّه يخدم منطق المصارحة والمراجعة، ومن رأوا في المقابل أنه يقدّم خدمات مجانية لخصوم الحزب، ويضرّ بالتالي بالأخير.

يقول أصحاب الرأي الأول، إنّ "حزب الله" بحاجة لمثل هذه المصارحة والمكاشفة أمام الرأي العام، وأمام بيئته الحاضنة اليوم، أكثر بكثير من الكلام المكرّر عن الانتصارات والإنجازات، خصوصًا أنّ كلّ هذا الكلام لا ينفع في تغيير "انطباع" الجمهور بأنّ خللاً حقيقيًا قد حصل، بدليل أنّ كلّ كلام المسؤولين لا يترجَم على الأرض، حيث بات واضحًا أنّ الحزب افتقد في السياسة الكثير من الامتيازات، وتراجع نفوذه إلى الحدّ الأدنى.

أما أصحاب الرأي الثاني، فيعتبرون أنّ كلام الموسوي ولو كان مُحِقًا في مكانٍ ما، غير مفيد في هذه المرحلة، خارج الغرف المغلقة، على الأقلّ بانتظار اكتمال المراجعة التي يقوم بها "حزب الله"، والتي يفترض أن يتمّ الإعلان عن نتائجها من قِبَل القيادة، في وقت غير بعيد، وبالطريقة التي تجدها مناسبة، بعيدًا عن الاجتهادات الذاتية، التي لا تتناسب مع "التنظيم" الذي لطالما اتسم به "حزب الله" وكان من نقاط قوته.

ومع أنّ هناك رأيًا ثالثًا "وسطيًا" بين الإثنين، يطرح احتمال أن يكون ما أدلى به الموسوي منسَّقًا مع قيادة "حزب الله"، بداعي "جسّ النبض" ربما، باعتبار أنّه لا يمكن لأحد أن يخرج بمثل هذا الكلام من دون التوافق على عناوينه مع القيادة، ولو كان الموسوي شخصيًا، وهو المعروف بجرأته في محطّاتٍ عدّة، جعل الحزب يتّخذ إجراءات بحقّه، كإجباره على الاستقالة من مجلس النواب، إلا أنّ ردود الفعل المسرّبة تستبعد هذا الاحتمال.

إزاء ذلك، يصبح السؤال مشروعًا، فما الذي يعنيه أن يثير كلام الموسوي عن "القصور والتقصير" الجدل والاستياء داخل الحزب، لدرجة المطالبة بتجميد عضويته، بل طرده من الحزب؟ برأي كثيرين، لا يعني هذا الأمر سوى تكريس انطباع "القصور والتقصير"، الذي تحدّث عنه الموسوي، بل هو يوحي في مكانٍ ما، أنّ الحزب لا يزال غير قادر على التعامل مع تبعات الحرب الأخيرة، رغم كلّ شيء.

أكثر من ذلك، ثمّة من يرى أنّ "الجدل" الذي أثارته تصريحات الموسوي يحمل بين طيّاته العديد من الدلالات، فهو يعني في مكانٍ ما أنّ الحزب لم يكمل بعد مرحلة "التعافي"، حتى على المستوى الداخلي، علمًا أنّ هذا الأمر يضاف إلى سلسلة من الوقائع التي تعزّز هذا الاعتقاد، بدءًا من عدم إنجاز التعيينات في بعض المراكز الأساسية كنائب الأمين العام ورئيس المجلس التنفيذي، وصولاً إلى طريقة التعامل مع الخروقات الإسرائيلية المتواصلة.

صحيح أنّ كثيرين يرون في خطاب "الركون للدولة" الذي يعتمده "حزب الله" في الآونة الأخيرة، ظاهرة صحية طال انتظارها، وهي تنسجم مع ما يريده "العهد الجديد" منه تحديدًا، إلا أنّ هناك من يرى أنّه يدل على أنّ "حزب الله" لم يعد كما كان قبل الحرب، بدليل حاجته إلى "التنحّي جانبًا"، ولو لبعض الوقت، وهو بالتالي يستوجب "مصارحة حقيقية" للرأي العام، مصارحة قد يكون نقيضها "مهاجمة" من يتجرّأ على فعلها!.