مع سقوط النظام السوري السابق الذي كان بدأ يهتز منذ العام 2011، وتم تأمين اوكسجين روسي وايراني له دام نحو 14 عاماً، تحولت البلاد إلى ساحة صراع معقدة تتداخل فيها المصالح المحلية والإقليمية والدولية، فيما اكتفى ابو محمد الجولاني(احمد الشرع) في الدعم الاقليمي والدولي الذي حظي به لوضعه في الرئاسة السورية التي باتت صورية، فيما "تنهش" الدول المجاورة لسوريا (ما عدا لبنان طبعاً) الاراضي والمساحات للسيطرة عليها وجعلها جزءا لا يتجزاً من جغرافية هذه الدول.

لقد كان معروفاً ان سوريا اصبحت عرضة للتقسيم، ولكن المفاجئ في الامر، هو سرعة البدء في تنفيذ هذه الخطوة، وما نشهده حالياً من عملية قتل ودفع نحو التهجير، هو بمثابة اعلان واضح ان التقسيم خطا خطواته الاولى في هذا البلد، فيما يقف الجولاني متفرجاً، مطلقاً موقفاً تاريخياً مفاده ان "ما يحدث حالياً في سوريا هو ضمن التحدّيات المتوقعة"، والمصيبة انه اذا كان يتوقع فعلاً هذا الامر، فهل وجد ان هذه هي الطريقة الانسب لمواجهته؟ ما تعيشه سوريا يخصّها بالفعل، ولكن لا يمكن الا ان يتأثر لبنان به، نظراً الى الروابط الجغرافية والمجتمعيّة المتداخلة بين البلدين، كما ان الخارج ينظر اليهما على انهما في ميزان واحد، وهذا ما يعقّد الامور على اللبنانيين.

ما تشهده سوريا حالياً ادّى إلى تفتيت النسيج الاجتماعي وظهور مناطق نفوذ متباينة، كل منها تحت سيطرة قوى مختلفة. هذا الواقع الجديد يضع عقبات كبيرة أمام أيّ محاولة لإعادة توحيد البلاد في المستقبل المنظور، خصوصًا في ظل التدخلات التركية والاسرائيلية والعراقيّة(بشكل خجول)، فيما عين "الاخ الاكبر" اي الولايات المتحدة الاميركية تراقب من فوق مسار الامور.

وبات الشعار الراهن في سوريا في ظلّ التدخلات التي تظهر من كل ميل وصوب، هو: "فرّق تسد"، وهكذا يتم العمل على تفتيت الكيانات لتخفيف التهديدات المحتملة. من هنا، يمكن فهم ما قامت به اسرائيل منذ اسابيع بغطاء اميركي ودولي، عبر القضاء على ترسانة الاسلحة السوريّة، بحيث لم يبقَ منها سوى بعض الاسلحة المتوسطة والخفيفة التي لا تصلح الا للداخل، ولكنها لا تكفي لصنع الفارق او لاعطاء السيطرة لفريق على آخر، كما انها لا يمكن ان تشكّل اي خطر على اسرائيل او تركيا او غيرها، فيما يظهر انّ روسيا قد ركبت قطار "تقاسم الجبنة السوريّة" وهي تصارع لتحديد مدى النفوذ الذي ستتمتع به في المستقبل، بعد ان كانت ترغب في "حصة الاسد".

ومع كل عملية تقسيم او تهجير، يدفع لبنان الثمن، وهذا ما حصل مع الفلسطينيين اولاً ثم مع السوريين ثانياً، وما يحصل في سوريا ينبئ بحصول موجة جديدة من النزوح الى هذا البلد الصغير، حماية للدروز والسنّة على الرغم من "تطوع" اسرائيل للدفاع عن الدروز واعتبارهم بمثابة "خط احمر" سيسمح لها برسم حدود جديدة لدولتها المستقبليّة التي من المتوقع ان تكبر وتنمو من الآن حتى الاعلان عنها بشكل رسمي في المستقبل القريب.

قد لا يتعرض لبنان للتقسيم الجغرافي، لانّ مساحته الجغرافية الصغيرة لا تسمح بذلك، ولكنه سيتعرض للتقسيم الديموغرافي تحت ستار "مساعدة الجار"، وهو ما يسمح بابقائه على قدر كاف من التلهّي بالامور الصغيرة الهامشية، فيما تعيش المنطقة ككل عصر الامور الاساسية المهمة التي ستغيّر وجه الشرق الاوسط بأكمله، فيما سيتولى الرئيس الاميركي دونالد ترامب تغيير وجه باقي العالم، الامر الذي ينبئ بأنّ الكرة الارضية بأسرها باتت تسير على توقيت ترامب، وليس وفق توقيت غرينتيش، وما على الدول الصغيرة الا ان تنتظر وتترقب ما ستستفر عنه الاحداث، لان لا قدرة لها على احداث اي تغيير.