عندما سقط النظام الأسدي في سوريا تم اعتبار التحذير من الفوضى والإقتتال الأهلي والطائفي والمذهبي، دفاعاً عن نظام بشار الأسد وهجوماً على هيئة تحرير الشام، التي تولت الحكم في دمشق، ومع مرور الوقت بدأت الصورة تتكشف، ولعل أحداث الساحل الأخيرة كانت الأوضح.

من أجل الحديث عن أحداث الساحل يجب النظر إلى ما جرى من خلال عين حيادية قدر الإمكان، فالأحداث بحسب مصادر سوريّة مطلعة كانت مركّبة، ولم تحصل كلها في سياق واحد، فهناك تحركات بهدف تحقيق انقلاب ما في الساحل السوري، وهو ما تحدثت عنه الهيئة وبعض السكان الذين أكدوا وجود اشتباكات مسلحة، وبالتالي هناك مواجهات عسكرية مسلحة بين قوتين مسلحتين، ومن ثم هناك مجازر وحشية وجرائم ارتكبت بحق مدنيين سوريين.

تُشير المصادر بداية إلى أنه عندما تولت هيئة تحرير الشام الحكم، كان هناك الكثير من الأسئلة حول مصير التنظيمات المسلحة الأخرى التي لها وجود في سوريا، وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي لم ينتهِ، لا وجوداً عسكرياً، ولا فكراً ضمن الكثير من الفصائل ومن ضمنها هيئة تحرير الشام نفسها، ولكن يومها كان السؤال "جريمة".

اليوم بحسب المصادر لم يعد السؤال جريمة، لأن الجواب كان على شكل ممارسات وحشية ومجازر فاقت حدّ الوصف، مشيرة عبر "النشرة" إلى أن ما بدأ على شكل اشتباكات عسكرية مسلحة، انتهى من خلال تحرك "داعش" وفكره من جديد، فهذا التنظيم الذي كان ينتظر اللحظة المناسبة للتحرك في سوريا، تحرك مؤخراً، وتؤكد المصادر أن غالبية مقاتلي التنظيمات التي تحمل فكراً داعشياً، ليسوا من السوريين، دون أن يعني ذلك أن لا وجود لسوريين فيه.

تكشف المصادر أن غالبية المجازر والجرائم حصلت من قبل أصحاب هذا الفكر، ومن بينهم من كان ضمن قوات الأمن التابعة لهيئة تحرير الشام، علماً أن قسما من الهيئة حاول إيقاف الهجمات، وآخر شارك بها، وبالنتيجة كانت الفوضى أكبر وأوسع وهي ما يُعتقد أنها ستسيطر على المشهد شيئاً فشيئاً في سوريا.

لم تكن الجرائم موجهة ضد العلويين وحسب، بل طالت الكثير من السوريين الذين يملكون فكراً مغايراً لفكر الإرهابيين، وطالت من كانوا من الثوار الاوائل ضد نظام بشار الأسد، وطالت حتى من أهل السنّة.

ترى المصادر أن تعاطي مسؤولي هيئة تحرير الشام مع الأحداث لم يكن على قدر التطلعات، وهناك رأي يقول أنه لا يمكنها أن تفعل أكثر مما فعلت لأن جزءًا مما حصل يأتي في صلب أفكار بعض قياداتها، وهناك من يقول أن الهيئة هي عبارة عن عصابات مجرمة يقودها سياسيون في الحكم، وهناك رأي يقول أن الهيئة التي دخلت جنّة الحكم لا تُريد لشيء أن يُخرجها، وتخطت الكثير من انتماءاتها السابقة، ولكن بالنتيجة فإن طريقة التعاطي لم تُرح السوريين في الساحل ولا في الداخل، علماً أن جرائم قتل تحصل بشكل يومي في أكثر من مكان ولكن دون تغطية إعلاميّة، وهذا ما قد يشجع على البحث عن سند، قد يكون خارجياً وسيدفع للتسلح لحماية النفس، وهذا ما لا يمكن لأحد أن يمنعه.

اليوم أمام هيئة تحرير الشام فرصة لإستعادة زمام المبادرة، ومحاسبة المجرمين، وحلّ كل التنظيمات التي لا تزال تحتفظ بسلاحها، وإلا ستكون سوريا على موعد مع أحداث مشابهة كل فترة، وستتّجه بخطى ثابتة نحو التقسيم والتفتيت والاقتتال، وهو ما سيكون له تداعياته على لبنان أيضاً، على صعيد الأمن الإجتماعي، والإقتصادي، والأمني.