منذ سنوات، يُطرح في بعض الأوساط السياسية الحديث عن عودة دول المشرق إلى الحضن العربي، بعد أن كانت هذه الدول قد شهدت تقدماً لافتاً للنفوذ الإيراني، واليوم يعود هذا الحديث إلى الواجهة بقوة، من منطلق أن حضور طهران في المنطقة تعرض لضربات قاسية، بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول من العام 2023.

في هذا السياق، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن بعض الدول العربية، تحديداً الخليجية، أظهرت مؤشرات على الرغبة في العودة إلى هذه المنطقة، بعد التحولات التي كانت قد برزت في فلسطين وسوريا ولبنان، لكن ذلك لم يتحول، حتى الآن، إلى مشروع واضح المعالم يمكن البناء عليه أو الإستناد إليه، الأمر الذي تُرسم حوله الكثير من علامات الإستفهام.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الدول المعنية، أي تلك التي ينظر إليها على أساس أنها من المفترض أن تقود أي مشروع من هذا النوع، لم تبادر إلى أي خطوات عملية من الممكن التعويل عليها، على عكس ما هو حال العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين الآخرين، بل على العكس توحي بأنها لا تزال في حالة إنتظار إكتمال المشهد، على قاعدة أن الجميع يحتاج لها بسبب قدرتها على تأمين التمويل اللازم.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن الدول العربية لم تخرج، في النظرة إلى الدول المذكورة، من منطق الصراع مع النفوذ الإيراني، بالرغم من أنها تدرك أن هذا النفوذ لم يعد بالقوة التي كان عليها في الماضي، بل ان التنافس، في حال كانت فعلاً رغبة في تقديم مشروع خاص بها، هو مع جهات أخرى تسعى إلى ملء الفراغ بما يحقق مصالحها، وبالتالي الحضور الأساسي هو لجهات غير عربية.

وتذكر هذه المصادر، في إطار التأكيد على عدم وضوح الرؤية، بأن تلك الدول كانت، قبل فترة قصيرة من سقوط النظام السوري السابق، تعمل على تكريس سياسة الإنفتاح عليه، بالتزامن مع سعيه إلى إبرام تفاهمات مع الجانب الإيراني، كانت قد بدأت مع توقيع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، وترى أن تلك الدول ستجد نفسها، خلال وقت قصير، في تنافس مع دول تدعم سرديته، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

في هذا المجال، تذهب المصادر السياسية المتابعة إلى الحديث عن أن المثال الأوضح على هذا الواقع يكمن في الساحة السورية، حيث تلفت إلى أن الدور الأبرز هو لكل من الجانبين التركي والاسرائيلي، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى رعاية توازنات تؤمن مصالح تل أبيب الأمنية، من خلال اتفاقات تبرم مع أنقرة، التي تملك القدرة الأكبر على التأثير في القيادة السورية الجديدة، بينما الدول العربية في اللحظة الحرجة، أي خلال مذبحة الساحل، لم تبادر إلا إلى تأييد السردية التركية، رغم أنها تدرك أنها غير صحيحة.

أما في لبنان، فتشير المصادر نفسها إلى أن من الطبيعي أن الواقع على هذه الساحة يرتبط، بشكل أو بآخر، بمصير المفاوضات الأميركية الإيرانية، الذي لم يتضح حتى الساعة، أكثر من موقف الجهات العربية المعنية، التي كانت في السنوات الماضية قد قررت الإنسحاب منها، اعتراضاً على تقدم حضور طهران، بالرغم من أن الدول العربية لا تزال تربط المساعدات المتعلقة بإعادة الإعمار بالحصول على ضمانات، يدرك الجميع أنها مطالب أميركية إسرائيلية بالدرجة الأولى.

في المحصلة، تشدد هذه المصادر على أن من حق الدول العربية أن تتبنى السياسات التي تراها مناسبة، في تعاملها مع الأحداث الدول الثلاث، لكن في المقابل عليها التنبه إلى أن المشهد لم ينحصر بالنظرة إلى الدور الإيراني، وبالتالي عليها، في حال أرادت فعلاً العودة إلى المنطقة، أن تقدم مشروعاً متكاملاً يأخذ بعين الإعتبار كل المشاكل التي تعاني منها تلك الدول، بالإضافة إلى المشاريع الكبرى المتنافسة على أرضها، كي لا تجد نفسها مرة جديدة من دون دور مؤثر، الأمر الذي كان قد دفعها، في السنوات الماضية، إلى أخذ القرار بالإنكفاء.