أوضح رئيس جمعية "عدل ورحمة" الأب نجيب بعقليني، أنّ العطاء والمجانية هما سمة عمل أعضاء الجمعية، وقال: "نحن كجمعية "جمعية عدل ورحمة" نهتم بنزلاء السجون اللبنانية، وأيضًا نعمل منذ 26 سنة على حماية حقوق الإنسان خاصة المرتهنين والمدمنين للمخدرات، الذين يزداد عددهم رغم الظروف الصعبة والزمن الصعب الذي يواجهه عالمنا. نحن موجودون لمساعدتهم وتأهيلهم وإعادتهم إلى المجتمع قدر المستطاع، طبعاً بعطاء مجاني".

كلام الأب بعقليني جاء في مقابلة مع إذاعة لبنان أجرتها معه الإعلامية أنجليك مونّس، وذلك حول رسالة الجمعية وحول مجموعة مؤلفات بعقليني لا سيما كتابه الصادر حديثًا "عالمنا المترنح بين خريف العولمة والتحولات الجيوسياسية".

وذكر بعقليني أنّ "فريق عمل الجمعية كامل ومتكامل من أخصائيين ومتطوعين يقدمون خبراتهم بحب ومجانية وبتعاون وتعاضد (صحيح أنهم يتقاضون بدلًا ماليًّا إنما لا يوازي حجم تضحياتهم)، لنستطيع مداواة جروحاتنا وآلامنا المزمنة. نقع في الخطأ صحيح، ولكن علينا تصحيح هذا الخطأ. من هنا نحاول توعية نزلاء السجن على اقترافهم الذنوب، ونحثهم على القيام بعمل تعويضي وتأهيلي ليعودوا إلى المجتمع، أي أننا نوفر لهم فرصة جديدة".

وحول مجموعة مؤلفاته، أوضح الأب بعقليني أن "تأليف الكتب رسالة، وهو عمل مضنٍ وشاق، وأنه ينهل مواضيعه من الواقع ومن عمله ومن اختصاصه، لذلك تنوعت مواضيع الكتب (12 كتابًا) حول العائلة والثنائي والزواج وكتاب "إنسانية في ارتقاء بين الموروثات والتطلعات" والآن كتاب "عالمنا المترنح بين خريف العولمة والتحولات الجيوسياسية". كل هذه الكتب من منشورات "جمعيَّة عدل ورحمة" و"دار سائر المشرق"، والجامعة الأنطونية وهي موجودة في جناح "دار سائر المشرق" وجناح" الجامعة الأنطونية " ضمن المهرجان اللبناني للكتاب في دورته الثانية والأربعين في الحركة الثقافية-أنطلياس".

وأضاف: "هذه الكتب هي عصارة وفكر الجمعية ورسالتها ودورها واستراتيجيتها وخدماتها التي تقوم بها، وثمرة عمل شائق مميز، وقد وضعناها لنخدم الإنسانية ونرتقي بالإنسانية المجروحة والمتألمة والمنتهكة حقوقها. نحن اليوم نتطلع إلى هيئة الأمم المتحدة الواجب عليها حماية وتطبيق شرعة حقوق الإنسان، والى الدول الموقعة عليها لرعايتها. لكن للأسف نحن اليوم في حالة ترنح واضمحلال لهذه الحقوق، لأن الإنسان لا يدرك قيمته التي وهبه إياها الله، إذ أعطاه القدرة على الخلق والإبداع وعلى أن يكون مميزًا ومبدعًا، إنما التجارة والمال شوها إنسانيته، فاستقوى على أخيه الإنسان وسعى إلى القضاء عليه باسم الإنسانية".

وأكد الأب بعقليني أن "الكتب التي تُصدرها الجمعيّة وورش العمل التي تنظمها والتقارير التي تضعها تصبُّ كلها في خدمة الإنسان والإنسانية، لنكون متعاضدين مع الأخوَّة الإنسانية، بعدما لاحظنا في السنوات الأخيرة أنها في اضمحلال".

وحول كتابه الجديد "عالمنا المترنح بين خريف العولمة والتحولات الجيوسياسية"، قال الأب بعقليني: "في هذا الكتاب أنطلق من حقوق الإنسان التي تتعرض للاغتيال يومًا بعد يوم، لأن عالمنا أصبح مجبولًا بالحروب من أوكرانيا إلى روسيا إلى فلسطين إلى بلادنا... كل ذلك جعلنا نقتنع بضرورة إحداث تغيير. مع أن الإنسان قادر على ذلك لكنه يرفض التغيير لرغبته في تحقير أخيه الإنسان والسيطرة عليه وانتزاع حقوقه منه. إنها العولمة التي سطحت العالم وجعلت الجميع يعيشون في المستوى نفسه، وها نحن نفتقد إلى الديمقراطية والحرية. عالمنا اليوم وخاصة في بلادنا بحاجة إلى أن نتكلَّم عن المواطنة والمواطنية التي تجمع الإنسان وترتقي بإنسانيتنا نحو العُلى".

وأشار إلى أنّه "طبعًا نحن نُدافع عن حقوق الإنسان في الطليعة ونناصر الأطفال والنساء والمهمشين والفقراء الذين يفتقدون إلى الحرية والديمقراطية لا سيما نزلاء السجون والمدمنين والمرتهنين للمخدرات. هؤلاء لديهم حقوق، ورغم ارتكابهم الجريمة لديهم الحق في العيش بكرامة داخل السجن، وعلى الدولة تأمين حقوقهم الأساسية".

ولفت إلى أنَّ "الكتب هي نتيجة خبرة وعصارة وفكر وتوجه ورسالة ونداء وصرخة للفت انتباه المسؤولين إلى وجود أناس محرومين من حريتهم ومظلومين ومعذبين، ومن واجب هؤلاء المسؤولين مساعدتهم لإعادتهم إلى خانة الإنسانية".

وإذ أكد أن نزلاء السجون اللبنانية ينتمون إلى جنسيات مختلفة، وأن وضع السجون مزرٍ منذ ما قبل الحرب، أوضح بعقليني أن "الجمعية تعمل ليستعيدوا حريتهم من خلال تأهيلهم وتزويدهم بالمعنويات ليكفروا عن خطاياهم وذنوبهم"، لافتًا إلى أن "الكتب لا تتوجه إليهم، بل إلى المعنيين للتخفيف من الجريمة ومساعدة نزلاء السجون للعودة إلى حالتهم الطبيعية، قد ينجحون في ذلك وقد لا ينجحون، إنما المهم استمرارية محاولاتنا لا سيما أن ثمة أشخاصًا لديهم الإرادة، وأن ثمة جرائم خارجة عن إرادتهم ووعيهم الكامل. بما أن المجتمع مرآة للسجن والسجن هو مرآة للمجتمع نحن مدعوون لتوعية المجتمع والتربية والعلم لنخفف الجريمة والاكتظاظ في السجون".

وتوجه الأب بعقليني بنداء إلى المحاكم والقضاة ليعيدوا القضاء إلى دوره وفعاليته ووجوده، معتبرًا أن كتبه خدمة للإنسان والمجتمع وحقوق الإنسان، وقال: "نرفع الصوت عاليًا إيمانًا منا بأن القوانين هي التي تحمينا والعدل يحمينا والمعاهدات العالميَّة تحمينا وليس العولمة. تعني العالمية أننا نناضل سويًّا ونعيش عبر احترام الآخر المختلف".

وأوضح بعقليني أنّه تساءل في كتابه الأخير على أي "أساس سيقوم الشرق الأوسط الجديد، ونحن واجهنا حربًا مدمرة وإبادة في غزة ولبنان؟"، وقال: "هنالك حرب اقتصادية وإلغاء الهوية الثقافية والحضارات والدين. من هنا يجب أن يحدث تحوُّل في النظرة إلى الانتهاكات بحق الإنسانيَّة، وقد لمستُ هذا التحول عندما اتخذت المحكمة الجنائية الدولية قرارات ضد المسؤولين عن المجازر في غزة".

ورفض الأب نجيب بعقليني اليأس وينادي في مؤلفاته بالأمل والرجاء، وقال: "تعاني أرضنا من الحروب منذ أزمنة طويلة، ودفعنا الثمن غاليًا، واليوم علينا أن نتنعم بالأمان والسلام والبحبوحة والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان والمساواة ومناصرة الفقراء والمهمشين. علينا صنع قرارنا، على أن يكون لبنانيًّا وذاتيًّا، وعلينا في الطليعة أن نشتغل على ذاتنا ونحسن ذاتنا".

وأكّد أنّ "نضالنا اليوم حول حقوق الإنسان، والمواطنية، ووضع الطائفيَّة جانبًا، واحترام الآخر المختلف. التعددية مصدر غنى للبنان، فالتعدديّة الثقافية واللغوية والدينيَّة تعطي اللبناني انطلاقة ليعود إلى مواطنيته. للأسف في بلادنا نطالب بالحقوق وننسى أن لدينا واجبات تجاه الوطن والآخر المختلف، تجاه الإنسان والقيم والقانون والدستور الذي يُنتهك يومًا بعد يوم وتنتهك حرية الإنسان بسبب الطمع والعنجهية والتخلف الفكري وحبّ السيطرة من خلال ال​سياسة​ والحزب والطائفية".

وذكر أنّ "هذا الواقع المزري يعزوه الى الخذلان الذي سببته هيئة الأمم المتحدة والدول الموقعة على شرعة حقوق الإنسان، لأن الوقائع دلت على أنها ضد حقوق الإنسان وتستعمل حق النقض الفيتو عندما توضع أمامها قضية موت من الجوع أو الحرب. هذه الدول هي الأقوى وتريد السيطرة بالمادة".

وبالنسبة إلى كتبه التي تتطرق إلى العائلة والزواج، أوضح الأب نجيب بعقليني من خلال تجربته في هذا المجال أن "نسبة الطلاق مرتفعة بين الأزواج من الأديان المختلفة. وللأسف كتبي التي هي في خدمة الشباب لم تؤتِ ثمارها، لأن الأشخاص الذين توجهت إليهم في كتبي ورافقتهم لم يكونوا على المستوى الفكري والنضج العلائقي والعاطفي والجنسي، وسيطرت عليهم المظاهر الخارجية والعلاقات السطحية، فأضاعوا الجوهر والأساس والتهوا بالقشور التي هي مهمة ولكن ليست الأساس. للزواج متطلبات ووعي وهذا ما ركزت عليه في كتبي. نريد عائلة ثابتة، مستقرة أمينة، واعية، ناضجة تحمي المجتمع وتربي على القيم والمبادئ. لا يمكن أن يعيش الإنسان بمفرده إنما مع الآخر، الزواج فيه جمال وعطف وحنان".

وأشار إلى أن أطروحته للدكتوراه كانت حول الرعاويات وهي تضم العائلة والموظفين والسجناء وكل المجتمع، "وهذا ضمن عمل الكنيسة الرعوي، أن تكون قريبة من الناس وتعمل معهم ليتقدسوا ويكونوا واعين لدورهم. لذلك كتبي تبقى آنية، في هذا السياق لا بد من أن أحيي د. كلوديا شمعون أبي نادر، إذ أنجزنا سويًّا ثلاثة كتب، فالدكتورة كلوديا متزوجة وتعيش تجربة زواج ناجحة، إذًا أنا أكتب انطلاقًا من التجارب، وليس كشخص لا خبرة لديه".

وتابع: "آمل أن ترجع العائلة إلى قواعدها ويخرج الفرد من أنانيته. التضحية فيها مجانية. اليوم نحن مدعوون للاهتمام بالعائلة والمدمنين والمرتهنين للمخدرات، يؤلمني كثيرًا أن يكون هنالك موت ووجع يخرب حياة المدمن وحياة عائلته، فينحرف إلى الجريمة والقتل والسرقة. هدفنا مساعدته لتصويب طريقه".

وختم بالقول: "التحولات قادمة وكلنا أمل ورجاء اننا قادرون على أن نصنع الفرق، عندما نتكل على ذاتنا ونشتغل على ذاتنا ونحاسب ذاتنا ونسائل المسؤولين السياسيين وغير السياسيين، وننصر المظلوم ونرفع أيدينا ونقول كفى علينا نحن أن نتغير ونُغيِّر".