بعد التمديد الاول لاتفاق وقف الاعمال القتالية في الجنوب بين لبنان واسرائيل، والحديث يدور عن النقاط الخمس الذي لم تقبل اسرائيل بالتخلي عنها وهي: تلة الحمامص وتلة العويضة وجبل بلاط واللبونة والعزية. وفق الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، فإن هذه التلال تكتسب اهمية استراتيجية نظراً الى علوّها من جهة، والى انها كاشفة على مستوطنات اسرائيليّة من جهة ثانية، وبالتالي يرى هؤلاء انه من شبه المستحيل ان يتركها الجيش الاسرائيلي ليعود اليها عناصر "حزب الله" ويعملون على اقلاق واخافة المستوطنين.
في المقابل، برزت مقاربة اخرى للموضوع، من قبل العديد من الضباط المتقاعدين الذين يعترفون بالفعل ان هذه التلال كاشفة ، ولكنهم شككوا بمدى اهميتها بالنسبة الى الاسرائيليين. ويشرح هؤلاء ان القوات الاسرائيلية لاترغب في اي شكل من الاشكال في البقاء في لبنان واحتلال اراضٍ منه يكون فيها عناصر اسرائيلية، لانها ستشهد عمليات مقاومة مشابهة تماماً لتلك التي كانت سائدة منذ الثمانينات والتسعينات، قبل الانسحاب الاسرائيلي، حيث كانت تقع خسائر بشرية لافتة لم يتحملها المسؤولون هناك لفترة طويلة. ويضيف الضباط السابقون، انه اذا لم ترغب اسرائيل في البقاء في لبنان، ولا تشكل لها هذه التلال افضلية ميدانية، فما هو سبب التعلق بها؟ ويجيبون انه في ظل التطور التكنولوجي وامكانيّة التجسس التقني والخروقات الفادحة التي شهدتها الحرب على لبنان اخيراً، وادّت الى الحاق الاذى الجسيم بالهيكلية التنظيمية لحزب الله واهمها على الاطلاق استشهاد امينيه العامين في فترة زمنية قصيرة جداً، وفي ظل التفوق الجوي التام لاسرائيل، فما الحاجة الى الاحتفاظ بتلال او مناطق مرتفعة، وما الافضلية العسكريّة التي يمكن ان تقدمها اذا لم يكن هناك من محاولة غزو للبنان؟ لذلك، يعتبر الضباط المتقاعدون ان التفسير الاكثر ترجيحاً لاصرار اسرائيل على عدم الانسحاب من النقاط الخمس، يكمن في انها استراتيجية سياسية-دبلوماسية، تهدف الى كسب اكبر قدر ممكن من الشروط والطلبات الاسرائيليّة، خصوصاً وان لبنان لم يعد قادراً على فرض شروط في المقابل. ويضيفون: لم يعد سراً ان المنطقة لن ترتاح بشكل تام، قبل ان يتم تنفيذ الخطة الاميركية-الاسرائيلية بتوقيع كل الدول العربية، بما فيها الدول المحيطة باسرائيل، على اتفاق سلام يمنح الاسرائيليين راحة البال المطلوبة لتخطّي اكبر كابوس عاشوه على مدى عقود طويلة من الزمن، اي تفكيك الجبهة اللبنانية.
لذلك، يتوقع الضباط انفسهم، ان تزداد النبرة الاسرائيلية العالية في ما خص النقاط الخمس، لكسب ما يمكن الفوز به، لانها فرصة قد لا تتكرر، ويجب اغتنامها من وجهة نظر اسرائيليّة بعد تلاقي الظروف الاقليمية والدولية لمصلحة تل ابيب. في المقابل، ليس بعيداً ان يرضخ لبنان للكثير من الشروط الاسرائيليّة، وهو سيكون مرغماً على ذلك، لانه سيجد نفسه من دون الدرع الذي كان يوفّره حزب الله على مرّ السنين، وفي وجه تدابير اميركية بالغة القساوة ستؤمّنها ادارة الرئيس دونالد ترامب، من دون ايّ اعتبار لتسميات الصداقة والمصالح اللبنانية وغيرها...
وعليه، يجب علينا انتظار بعض الوقت لرؤية اسرائيل تتخلى عن التلال الخمس، ومعرفة انها كانت تشكل بالقول اهمية بالغة للاسرائيليين، فيما هي بالفعل مجرد ورقة مساومة ستحتفظ بها اكبر قدر ممكن من الوقت. قد تستعجل الادارة الاميركية ترسيم الحدود البرية والبحرية من جديد بين لبنان واسرائيل، وعندها سيُعرف الثمن الحقيقي الذي ستقبضه لقاء هذه التلال الخمس، وكيف سيدفعه لبنان بدعم من واشنطن، وكيف ستكون عليه الاوضاع في الشرق الاوسط الجديد.