منذ سقوط النظام السوري السابق، تبدي السلطة الجديدة في دمشق رغبة في التعامل العدائي مع الملفات ذات العلاقة مع لبنان، تحديداً تلك المتعلقة بالإشكالات التاريخية حول الحدود بين البلدين، تحت عنوان عام هو الرغبة في ضبطها، لكن خلف ذلك تكمن أهداف أخرى، تتعلق بأنها ترى فيها ورقة تستطيع الإستفادة منها، على مستوى العلاقة مع العديد من الجهات الإقليمية والدولية.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم أن تلك السلطة، بالإضافة إلى الخلفية العدائية على مستوى العلاقة مع "حزب الله" نتيجة تداعيات سنوات الحرب في سوريا، تعتبر أن الإشتباكات، بين الحين والآخر، من الممكن أن تعطيها دوراً وظيفياً، يرضي الجهات الخارجيّة المؤثرة في الساحتين اللبنانية والسورية، خصوصاً بعد الضغوط التي فرضتها الأحداث التي وقعت في الساحل في الأيام الماضية.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن قراءة المشهد الحالي من المفترض أن تنطلق من السردية التي تقدمها السلطة الجديدة، منذ لحظة وصولها إلى دمشق، حيث تكرر بشكل دائم شعار أنها ساهمت في إسقاط المشروع الإيراني في المنطقة، الأمر الذي يصب في إطار إرسال الرسائل إلى من يعنيهم الأمر في الخارج، وهو ما سعت إلى إعادة التذكير به رداً على الإنتقادات التي تعرضت لها نتيجة المجازر في الساحل.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ تلك السلطة لم تجد مبرراً، يقنع العديد من الجهات بدعمها أو التغاضي عما حصل من إرتكبات، إلا الحديث عن وقوف إيران وراء محاولة الإنقلاب عليها، بالرغم من أن العديد من الجهات الدولية اعتبرت أن ردة الفعل، بغض النظر عما حصل في البداية، لم تكن متناسبة، وهو ما قاد إلى البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى المواقف التي صدرت عن العديد من تلك الجهات.

من وجهة نظر المصادر نفسها، هذا الواقع هو الذي دفعها إلى إعادة تحريك ملف الحدود مع لبنان، تحديداً تلك المحاذية لمنطقة البقاع، إنطلاقاً من حادثة تطرح الكثير من علامات الإستفهام حولها، حيث تعتبر أن التركيز على معادلة خوض مواجهات مع "حزب الله"، يصب في إطار السعي للحصول على شرعية وظيفية تحتاج لها، خصوصاً في ظل الضغوط التي يتعرض لها الحزب، في المرحلة التي تلت العدوان الإسرائيلي على لبنان.

منذ اللحظات الأولى لهذه الحادثة، أظهرت بعض التعليقات، الصادرة عن بعض الشخصيات المحيطة بالرئيس السوري أحمد الشرع، رغبة في الذهاب إلى مواجهة مفتوحة، بغض النظر عن إمكانية ذلك، الأمر الذي تشدد المصادر المطلعة على أنه لا ينفصل عن الدور الوظيفي الذي تسعى اليه السلطة الجديدة، لكنها ترى أنّ الأخطر هو وجود لاعبين آخرين راغبين في الإستفادة من هذا الوقع، من أجل تحقيق ما هو أبعد.

هنا، تشير هذه المصادر إلى أن الجانب الإسرائيلي قد يكون المستفيد الأكبر، على قاعدة أن هذه المواجهات، في حال تمددها، ستمثل عامل إشغال لـ"حزب الله"، حتى ولو كان خارج دائرة المواجهات، مع العلم أنّ تل أبيب قد تجد، في حال تدخل الحزب، فرصة لتوجيه ضربات عسكريّة له، لكن الأبرز يبقى عودة الطروحات المتعلقة بنشر "اليونيفيل" على هذه الحدود، الموجودة على طاولة البحث منذ العام 2006، لكن الظروف الراهنة قد تجعل فرص تطبيقها أكبر.

في المحصلة، تجزم المصادر نفسها بأن المشكلة أكبر من خلافات حدودية، من الممكن معالجتها في حال توفر الرغبة في التعاون الإيجابي، خصوصاً أن هناك العديد من الملفات المشتركة التي تحتاج إلى معالجة، في حين أن التوترات الأمنية سيكون لها تداعيات لا يمكن ضبطها، لا سيما أنها تأخذ أبعاداً طائفية، ما يدفعها إلى السؤال عما إذا كان هناك من هو راغب في الوصول إلى هذا السيناريو، وتضيف: "في الجانب اللبناني، لا حلّ إلا بترك الأمور في عهدة المؤسسة العسكريّة".