بعد إتمام الحكومة تعيين قادة الأجهزة العسكريّة والأمنيّة، يُرجّح أن تُعيّن حاكمًا لمصرف لبنان في جلسة مجلس الوزراء المقرّر عقدها الخميس المقبل، على أن تكرّ سبحة التعيينات الإداريّة الأخرى في وقت لاحق، وفق آليّة لهذه التّعيينات بدأ مجلس الوزراء في البحث فيها في جلسته أمس، على أن تُقَرّ بصورة نهائيّة في جلسة الخميس.
وأوضح مصدر وزاري لصحيفة "الجمهوريّة"، أنّ "آلية التعيينات مطلوبة منذ زمن طويل، ولو تمّ العمل فيها سابقاً لما وصل حال الإدارة إلى ما وصلت إليه من اهتراء وفساد"، لافتًا إلى أنّ "خلاصة الآلية تُمكِّن الحكومة من تحقيق تعيينات عادلة، أساسها الأكفأ، الأكثر خبرة وجدارة، الأنظف سمعة ونزاهة، وصاحب الجعبة الخالية من الارتكابات، في المكان الوظيفي المناسب".
وشدّد على أنّ "المطلوب ليس الاكتفاء بإقرار آلية تعيينات، بل لعلّ ما يفوق إقرار الآلية على أهمّيته الكبرى، هو حسن تطبيقها بصورة سليمة ونظيفة بعيداً من المحاصصات والمداخلات والمحسوبيات. هنا يَكمن الامتحان الصعب، والكرة في هذا المجال هي ملعب السياسيِّين وعدم إخضاع التعيينات إلى مداخلات".
آلية التعيينات والحاكم: خلافات تؤجّل البحث
في السّياق نفسه، ذكرت صحيفة "الأخبار" أنّ "الحكومة فشلت في جلستها أمس، في التوصل إلى قرار في ما يتعلّق بآلية التعيينات التي كانَ يُفترض إقرارها لاستكمال التعيينات في المراكز الشاغرة. وتقرّر استكمال البحث في جلسة الخميس، التي كانَت مقرّرة لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، بينما جرى ترحيل ملف الحاكم إلى جلسة سيعقدها مجلس الوزراء الجمعة".
وعلمت "الأخبار" أن "تأجيل تعيين الحاكم ليسَ مرتبطاً وحسب، بالآلية التي لم يجر التوافق حولها، بل بالخلاف بينَ رئيسَي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام".
وأشارت مصادر مطّلعة للصحيفة إلى أنّ "سلام يريد مع جهات داخلية من بينها منظّمة "كلنا إرادة"، استبعاد الاسم الذي يدعمه عون وهو كريم سعيد، شقيق النائب السابق فارس سعيد، ويفضّل تعيين عصام أبو سليمان أو الوزير السابق جهاد أزعور، علماً أن عون يرفض اسم الأخير".
وبانتظار ما ستسفر عنه الاتصالات في اليومين المقبلين بشأن ملف الحاكمية، علمت "الأخبار" من مصادر وزارية أن "وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكي طرح في جلسة أمس، مسوّدة للآلية المقترحة استندت إلى نص الآلية التي أعدّها الوزير السابق محمد فنيش عام 2010، مع إضافة تعديلات من شأنها أن تجنّب الطعن فيها أمام المجلس الدستوري".
وكشفت مصادر للصحيفة، أنّ "الوزراء أمس اعترضوا على بعض ما جاء في المسوّدة، لكونه يعطي وزير التنمية الإدارية صلاحيات موسّعة على حساب الوزير المعني. وطالب الوزراء بأن تنص الآلية على أن يقوم الوزير المعني بطرح الأسماء ومناقشة الأمر مع اللجنة التي تضمّه ووزير التنمية الإدارية ورئيس مجلس الخدمة المدنية، أي إن الأمر يكون مقتصراً على التنسيق؛ فيما يبقى للوزير المعني وحده حق طرح الأسماء".
وبيّنت إلى أن "رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي سبقَ أن أبدت امتعاضها من طريقة التعاطي معها من قبل وزراء العهد الجديد، واستبعادها عن القرارات والدراسات التي يعدّونها وتتعلق مباشرة بعملها، وآخرها إعداد مكي آلية للتعيينات محورها مجلس الخدمة المدنية، من دون الرجوع إلى رئيسة المجلس، أو على الأقل سؤال المجلس عن الآلية الأفضل؛ نظراً إلى خبرته الطويلة".
كما علمت "الأخبار" أن "مكي تواصل مع مشموشي لمعالجة "سوء التفاهم". ومن المفترض أن يقوم الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية بإدخال التعديلات التي تمّ الاتفاق عليها في الجلسة، ليصار إلى إرسالها إلى الوزراء للاطّلاع عليها قبل يوم الخميس".
نصائح بعدم التوتير
أمّا في ما يتعلّق بالتطوّرات على الجبهة الجنوبية، بظلّ رفع إسرائيل في الأيام الأخيرة، من وتيرة خروقات جيشها لاتفاق وقف إطلاق النار، واعتداءاته على المناطق اللبنانية، فوصف مسؤول رفيع عبر "الجمهورية"، الوضع بـ"الخطير جداً"، مركّزًا على أنّه "إن لم يحصل إلزام لإسرائيل باتفاق وقف اطلاق النار ووقف خروقاتها واعتداءاتها على لبنان، فلم يطل الوقت حتى تتجه الأمور حكماً نحو التفجير في نهاية المطاف".
وأكّد أنّ "من جهتنا في لبنان، سنبقى ملتزمين باتفاق وقف النار، ولم يبدُر من الجانب اللبناني ما يخلّ بهذا الإلتزام، وهذا ما تشهد له اللجنة الخماسية، التي تُسجّل الخروقات والاعتداءات وتقطع لنا وعوداً بالتواصل مع الإسرائيليِّين لوقف اعتداءاتهم، إلّا أنّ الاعتداءات والخروقات تزيد وتتوسع والشهداء يسقطون يومياً. وعندما نرفع الصوت إلى اللجنة، يقولون إنّهم سيتابعون الأمور ويُقدّمون لنا النصح بضبط النفس وعدم الإنجرار إلى التوتير. وهذا ما ينصح به أيضاً الدبلوماسيّون والموفدون".
وعمّا حُكيَ عن تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضغط أميركي متزايد على لبنان، إلى حدّ السماح بعمل عسكري إسرائيلي جديد في لبنان، أوضح المسؤول أنّ "أولاً، نحن في ذروة الضغط، ولبنان لم يخرج من دائرة الضغط منذ سنوات طويلة. وثانياً، حتى الآن لا يوجد ما يؤكّد ما نُسِبَ إلى ترامب بصورة رسمية، ما خلا ترويج تولّته بعض القنوات والفضائيات نقلاً عن مصادر وليس عن اسماء صريحة لمسؤولين أميركيِّين. وهو مغاير تماماً لما نسمعه من الموفدين من تأكيدات على الحرص على استقرار لبنان مع العهد الرئاسي الجديد".
وأضاف: "لكن واقعياً في ظل ما يجري من تفلّت إسرائيلي، لا شيء مستبعداً على الإطلاق، ذلك أنّ كل شيء وارد في هذا الزمن الذي تحاول فيه إسرائيل وبدعم علني وضمني من رعاتها (الأميركيِّين والغربيّين وغيرهم)، أن تفرض نفسها فيه كـ"شرطي المنطقة" والحاكمة بأمرها فيها".
وشدّد على أنّ "من الواضح أنّ إسرائيل تحاول أن تستدرج التصعيد المتجدّد على جبهة لبنان، وقرارنا حتى الآن، استمرار الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار وبمندرجات القرار 1701، وعدم الإنزلاق إلى ما تريد إسرائيل استدراجنا إليه".
فيتو أميركي على ضباط في الأمن العام
من جهة أخرى، أفادت صحيفة "الأخبار" بأنّ "في سياق الوصاية الأميركية على لبنان، ووضع فيتوات في ملف التعيينات الأمنية والعسكرية والمالية، لمنع وصول أسماء محددة إلى مراكز حساسة في الدولة، علمت "الأخبار" أن السفارة الأميركية في بيروت أبلغت المعنيين خلال المداولات في ملف التعيينات الأمنية والعسكرية، أن في حوزتها أسماء ترفض رفضاً تاماً أن يُعيّن أصحابها في مراكز ومواقع ذات تأثير. وأشارت إلى ضباط معيّنين في الأمن العام قالت إنهم "مقرّبون" من "حزب الله"، وهدّدت بأنه في حال مخالفة التوجّه الأميركي فإن واشنطن لن تتعامل مع هؤلاء الأشخاص".
الاشتباكات اللبنانية- السورية تفتح باب ضرورة ترسيم الحدود
على صعيد آخر، لفتت صحيفة "الشّرق الأوسط" إلى أنّ |الاشتباكات التي اندلعت على امتداد المنطقة المتداخلة بين لبنان وسوريا في البقاع الشمالي، فتحت الباب مجدداً أمام البحث الجدي في ترسيم الحدود البرية بين البلدين والممتدة من الشمال إلى البقاع، وطولها نحو 375 كيلومتراً".
وأوضحت أنّ "هذا ما يدعو الحكومتين إلى تحضير الأجواء لمباشرة ترسميها لضبط المعابر غير النظامية التي تُستخدم للتهريب، وبالأخص جميع أنواع الممنوعات، وعلى رأسها المواد المخدرة المصنّعة في معامل البلدات السورية الحدودية، وكانت تحظى برعاية مباشرة من النظام السوري السابق، وتسببت للبنان في تصدّع علاقاته بالدول العربية وأدت إلى مقاطعته اقتصادياً؛ نظراً إلى أن معابره ومرافقه استُخدمت لتهريبها إلى دول الخليج العربي".
وعلمت "الشّرق الأوسط" من مصادر وزارية واكبت الأجواء التي سادت لقاء رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري والرّئيس السّوري السّابق بشار الأسد، في دمشق عام 2010، أن "الأسد تجاوب في المبدأ مع طلب الحريري بضرورة الانصراف لترسيم الحدود البرية بين البلدين، على أن يُبحث لاحقاً ترسيم الحدود البحرية".
وكشفت المصادر الوزارية عن أن "الحكومة في حينها تعاطت إيجاباً مع رغبة الأسد فتح ملف ترسيم الحدود البرية، وتولى الوزير الأسبق جان أوغسبيان، الذي كان ضمن الوفد الوزاري المرافق للحريري، الإشراف على تشكيل لجنة عسكرية- مدنية تتولى التفاوض مع الجانب السوري، وقد زُوّدت بخرائط وصور جوية وإحداثيات؛ وبعضها يعود لمراحل الانتداب الفرنسي على البلدين".
وأكدت أن "اللجنة استكملت تحضير كل ما هو مطلوب منها، وشُكّلت برئاسة قاضٍ لبناني، لكن الحكومة فوجئت بطلب سوري بأن يبدأ الترسيم من مزارع شبعا المحتلة"، مبيّنةً أن "الجانب اللبناني رأى أن هناك صعوبة في بدء الترسيم من هذه المنطقة، نظراً إلى أن إسرائيل ترفض الانسحاب منها، ولا تتجاوب مع تطبيق القرار 1701".
وذكرت المصادر نفسها أنّ "الجانب السوري أبدى تفهماً لوجهة النظر اللبنانية، وأيد اقتراحها بأن يبدأ الترسيم من الحدود الشمالية، خصوصاً أنه لا يرى من عوائق تحول دون التوصل إلى اتفاق، في حال الانطلاق من النهر الكبير الواقع بين البلدين بوصفه نقطة رئيسة للشروع في ترسيمها".
وشدّدت على أنّ "المفاجأة جاءت هذه المرة على لسان وزير الخارجية السورية آنذاك وليد المعلم، بطلبه التمهُّل في مباشرة اجتماعات ترسيم الحدود، بذريعة أن اللجان السورية المختصة تتفرغ لترسيم الحدود الأردنية- السورية".
كما أشارت إلى أنّه "استُعيض عن ترحيل ترسيم الحدود البرية إلى وقت لاحق، بالالتفات إلى المناطق الحدودية المتداخلة بين البلدين، وتحديداً في محافظتَي الشمال والبقاع، وتقرر أن تُشكَّل لجنة مشتركة تضم محافظي هذه المناطق، وتوكل إليها مهمة إيجاد حل لها، خصوصاً أن معظم المنازل الواقعة فيها، والعائدة للبنانيين، مسجلة في الوقت نفسه، في الدوائر العقارية للبلدين".
وتابعت: "تشكيل اللجنة المشتركة بقي حبراً على ورق، ولم تتمكن من إيجاد الحلول للمناطق الحدودية المتداخلة، نظراً إلى عدم تجاوب الجانب السوري، وبقيت المشكلة عالقة إلى اليوم ليس بسبب استقالة حكومة الحريري بغطاء سوري، وإنما لأنه لا مصلحة للنظام السوري في إقفال المعابر الحدودية غير النظامية التي كانت تشرف عليها في حينها "الفرقة الرابعة" بقيادة شقيق الرئيس السوري السابق ماهر الأسد، التي كانت تقدم الرعاية المباشرة لكل أشكال التهريب لجميع أنواع المخدرات من سوريا إلى لبنان ممراً للعبور إلى دول الخليج، إضافة إلى توفيره الحماية الأمنية لمصانع الـ"كبتاغون". وهذا باعتراف عدد من كبار التجار السوريين الذي لا يزالون موقوفين حالياً لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وعُثر بحوزة أحدهم على أكثر من مليوني دولار نقداً".