يواجه الجيش اللبناني على الحدود الشرقية والشمالية-الشرقية تحدياً كبيراً وجدياً، يضعه في مواجهة السوريين (من غير المعروف ما اذا كانون من الجيش السوري الجديد او من فصائل ومنظمات مسلحة انضوت تحت لواء الرئيس الجديد أبو محمد الجولاني)، في واحدة من اكثر المواجهات المسلّحة خطورة على الوضع في لبنان. والاشارة الى انها واحدة من الأخطر، هي بسبب وجود غيرها شَكَّل، ومنها لا يزال يُشَكِّل، خطراً على لبنان ووحدته واستقراره وهويته، ومنها طبعاً الاعتداءات الإسرائيليّة، إضافة الى المنظمات الإرهابيّة من مستوى "داعش" واخواتها التي كانت تحاول تحويل لبنان الى امارة لها واحبط الجيش مخططاتها.

ما حصل بالأمس، دليل على ان الجيش اللبناني يقاتل ببأس وشجاعة، ولو انه يفتقر الى الإمكانات والظروف الآيلة الى تعزيز قدراته وطمأنة ضباطه وجنوده الى انهم واهلهم قادرون على تأمين حياة كريمة. حسناً فعل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وقيادة الجيش في اتخاذ قرار التصدّي للخروقات على الحدود مع سوريا، والدفاع عن القرى والبلدات والمناطق اللبنانيّة هناك، ولهذا الامر مفعول مزدوج: عملي وسياسي. فعلى الصعيد العملي، يثبت الجيش مجدداً انه قادر على مواجهة الصعوبات وتنفيذ المهام الموكلة اليه مهما كانت درجة خطورتها، ولكن على الجميع ايضاً ان يكونوا على قدر عال من التعاطي المنطقي والفعال، فمواجهة السوريين الذين قضت إسرائيل على ترسانتهم الجويّة والبحريّة وتفوقهم العسكري على لبنان شيء، ومواجهة الجيش للقوّات الإسرائيلية التي لا تقاتل على الأرض الا بعد ضمان تنفيذ سياسة الأرض المحروقة واستهداف كل النقاط والمراكز والوحدات من الجو، شيء آخر. في الحالتين، يكون الجيش جاهزاً لتنفيذ ما يطلب منه، ولكن في الحالة الثانية، سيكون الامر بمثابة "انتحار" لانّ المواجهة ستكون غير عادلة كمّن يذهب الى الحرب بالسلاح الأبيض مقابل الأسلحة التكنولوجية والبعيدة المدى والتفوق الجوي الذي وحده قادر على قلب نتائج أي مواجهة مسلّحة.

من هنا، تكمن أهميّة دعم الجيش على الحدود مع سوريا، لانّه في هذه الحالة، فإن الظروف عادلة، ويمكن ترك الباقي عليه، وهذا يعني انّ نفوذ وذرائع الاحتفاظ بالسلاح لدى حزب الله او غيره من الفصائل والميليشيات والمجموعات، لا مبرّر له ويمكن بسهولة الاستعاضة عنه بالقوات العسكرية الرسميّة والنظاميّة القادرة على فرض نفسها.

اما على الصعيد السياسي، فهذا يعني ان الرئيس السوري الجديد أبو محمد الجولاني إما عاجز عن التحكم بالوضع في سوريا، او انه لا يزال يكنّ الضغينة للبنانيين الذين قاتلوه في ارضهم وطردوه منها حين كان وفق ما قاله، لا يزال شاباً وقبل ان ينتفض على مسؤوليه في "القاعدة" وغيرها من المنظّمات الإرهابيّة... فإذا كان عاجزاً عن الحكم، فهذا يعني ان فترة ولايته لن تطول وسيختبر ما كان يشعر به الرؤساء السوريّون قبل إرساء نظام حافظ الأسد ونجله بشار فيما بعد، من تغيير وانقلابات كل فترة، وعليه بالتالي ان ينتبه الى هذا الامر ويبدأ العمل على بسط سيطرته بالطريقة الأنسب، والا فسينقلب عليه من تحالف معه اخيراً ويأتي بشخص آخر اكثر قدرة على السيطرة.

اما اذا كان لا يزال يضمر الحقد للبنانيين، فهذا ايضاً يعني ان فترة ولايته ستكون قصيرة، لان الاوضاع لم تعد كما في السابق، والتفويض الدولي الذي اعطى السوريين في السابق حرية التحرك والتصرف في لبنان قد ولّى، واذا لم تكن سوريا قادرة على ضبط الأوضاع في الداخل، فكم بالحري التوسع الى ما خلف حدودها، في ظلّ كل المتغيّرات التي شهدتها المنطقة؟.

كل هذه المؤشرات تؤدّي الى خلاصتين: الأولى وجوب دعم الجيش بشكل مطلق من دون أيّ تردد من قبل جميع اللبنانيين، حتى أولئك الذين يعارضون الطبقة السياسية التي يلتزم الجيش بتوجيهاتها، والثانية وجوب التحضير لمرحلة ما بعد الجولاني اذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه حالياً.