بعد ساعات من عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين الأول من العام 2023، سارع القائد العام لـ"كتائب عز الدين القسام"، الجناح المسلح "حماس"، محمد الضيف، إلى "دعوة المقاومة في لبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا للالتحام مع المقاومة بفلسطين". حيث لم يتأخر "حزب الله"، في اليوم التالي، إلى فتح جبهة الإسناد من لبنان، الأمر الذي وضع، بشكل أو بآخر، في سياق ما كان يُطرح في السنوات الماضية عن "وحدة الساحات"، بغض النظر عن الموقف اللبناني الداخلي من هذه الخطوة.
على الرغم من العمليات التي كانت تشن من العراق واليمن، بالإضافة إلى دخول الجانب الإيراني على الخط، من منطلق الرد على الإعتداءات الإسرائيلية التي تطاله بشكل مباشر، كان التركيز على جبهة لبنان، خصوصاً أنها لعبت الدور الأبرز، الأمر الذي دفع تل أبيب، بعد أشهر، إلى شن عدوان شامل، أدى إلى تعرض الحزب لمجموعة واسعة من الضربات القاسية.
بالتزامن، ما كاد يتم الإعلان عن وقف إطلاق النار على هذه الجبهة، حتى أطلقت الفصائل السورية المعارضة معركة أدت، في نهاية المطاف، إلى سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، بعد تهديد واضح له كان قد أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في حين تتولى الولايات المتحدة اليوم شن غارات جوية ضد حركة "أنصار الله" اليمنية.
منذ تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة بعد فوزه في الإنتخابات، بات من الواضح أن واشنطن وتل أبيب يتعاملان مع التطورات في المنطقة من منطلق نظرية "وحدة الساحات"، لكن مع تطبيق عملي لا لُبسَ او تردد فيه، بحسب ما تشير مصادر سياسية متابعة لـ"النشرة"، حيث تربط ما حصل، في الأيام الماضية، من إستهداف حركة "أنصار الله" في اليمن، إلى إستمرار الغارات الجوية على سوريا ولبنان، بالإضافة إلى التهديدات التي تطلق ضد إيران وبعض الفصائل العراقية، وصولاً إلى عودة العدوان على قطاع غزة.
من العلامات الفارقة في هذا المجال، ترى المصادر نفسها، أنه بالتزامن مع الإشتباكات التي كانت دائرة على الحدود اللبنانية السورية الشرقية، التي كانت السلطة السوريّة الجديدة تُصرّ على أنها مع مجموعات من "حزب الله"، رغم نفي الحزب علاقته بالأمر، كانت تل أبيب تقدم على تنفيذ ضربات جوية تستهدف الأراضي اللبنانيّة والسوريّة معاً، في مؤشر إلى أن المهم بالنسبة إليها هو حريّة الحركة، المدعومة من قبل الإدارة الأميركيّة، التي تعطيها حق التصرف، لتحقيق ما تعتبر أنه يخدم مصالحها الأمنية، في ظل شعورها بإختلال موازين القوى لصالحها، بعد التحولات التي كانت قد شهدتها المنطقة.
أبعد من ذلك، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أن كل المؤشرات، خصوصاً السياسية منها، تؤكّد أن لدى كل من واشنطن وتل أبيب مشروعاً سياسياً واضحاً للمنطقة برمتها، يكرس النتائج العسكرية التي أفرزتها الحرب بعد "طوفان الأقصى"، خصوصاً أن العديد من الجهات الإقليمية تتماهى معها في هذا المشروع، من منطلق العداء لإيران، حتى ولو كانت هناك بعض الخلافات في التفاصيل، وتعطي مثالاً على ذلك التحركات التي تقوم بها إسرائيل في الساحة السوريّة، خصوصاً أنّ السلطة الجديدة لا تزال تبحث عن الشرعيّة الخارجيّة المرتبطة بالموقف الأميركي منها.
في المحصلة، تعتبر المصادر نفسها أنه في لحظة تراجع مشروع "وحدة الساحات"، الذي كان يتبنّاه المحور الآخر، يتقدم المشروع الثاني، الذي تقوده كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، مستفيداً من النتائج العسكريّة التي كانت قد تحققت في الأشهر الماضية، حيث تبقى الأنظار على كيفية التعامل مع إيران، في ظلّ الضربات التي تعرض لها جميع حلفائها في المنطقة، خصوصاً أن واشنطن تبدي رغبة في تكريس أمر واقع، سواء كان ذلك بالقوة العسكرية أو عبر الضغوط الدبلوماسيّة والإقتصاديّة، ما يعزز معادلة تفوق تل أبيب على كافة المستويات.