كشفت أحداث الساحل السوري الأخيرة عن أفعال من مقاتلين تابعين للسلطة السورية الجديدة، تتشابه مع تلك التي كانت تُنفذها عناصر تنظيم داعش الإرهابي في وقت سابق.
وثقت المقاطع المصورة وشهادات الناجين، عمليات سحل للمواطنين المدنيين وانتهاكات لخصوصياتهم ومنازلهم، وقتل عائلات كاملة بما فيهم الأطفال والنساء.
مقاتلو وزارة الدفاع السورية "الجديدة" صوروا مخازن وتلفظوا بعبارات طائفية وتمييزية ضد العلويين والأقليات في الساحل السوري، تشبه تلك التي تبناها تنظيم داعش من قبل، وجماعات متطرفة أخرى، ما يشير إلى مخاطر كبيرة بدأت تطفو على سطح الجانب العسكري في الحكومة السورية الجديدة.
أراد مقاتلو الحكومة السورية توثيق حالات الإعدامات الميدانية التي نفذوها في الساحل السوري، وقام بعضهم بتصوير عمليات القتل رميا بالرصاص ضد أشخاص يرتدون الزي المدني، لتعود صورة قديمة إلى الأذهان، تتعلق بنفس الأفعال التي قام بها تنظيم داعش.
واشتهر تنظيم داعش بتصوير عمليات الذبح والقتل لضحاياه بصورة احترافية ونشرها على نطاق واسع، في محاولة لبث الرعب ونقل صورة مخيفة لأعدائه، وهو الأمر الذي انتهجه البعض من قوات السلطة السورية الجديدة.
وظهر المقاتلون في صفوف القوات التابعة للحكومة السورية بلحى طويلة، يرددون عبارات انتقام وتهديد ووعيد للأسرى الذين ألقوا القبض عليهم من القوات المُعادية لهم في الساحل السوري.
وأثناء عمليات الإعدامات الميدانية، تلفظ المقاتلون في الجانب الحكومي السوري ضد أشخاص يرتدون زيا مدنيا بعبارات انتقام مماثلة لتلك التي اعتادت عناصر تنظيم داعش على التفوه بها خلال عملياتهم المصورة.
يواجه الجيش السوري صعوبة بالغة في تكييف عناصر الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة على عقيدة الجيش الحكومي، وليس على الطريقة التي كانوا يعملون بها في السابق.
وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" في تحليل لها حول المقاتلين الأجانب في الجيش السوري، إلى أنه "من غير الواضح ما إذا كانت هذه الميليشيات قد انصاعت إلى التوجيهات واندمجت بشكل كامل في الجيش السوري، أو ما إذا كانت وافقت ببساطة على التعاون مع حكومة الشرع والاندماج تحت قيادته".
وتحدثت صحيفة "فايننشال تايمز" عن كون الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، ذو أصول تعود إلى الجماعات المتطرفة من قبل، الأمر الذي ينعكس بالتبعية على سلوك مقاتليه، رغم إعلانه أمام وسائل الإعلام رفضه لمثل هذه التصرفات.
وأشارت الصحيفة في تحليل لها إلى أن الشرع "كان منغمسا في عالم الإسلاميين المتطرفين"، وكان على صلة مباشرة بكبار الشخصيات في تنظيم القاعدة، ومارس عليهم ضغوطا لتوسيع نشاطهم في سوريا.
وتحدث رجل دين مسيحي عن التشدد الذي تفرضه حكومة الشرع الجديدة، إذ قال إنه غير مسموح له بممارسة الشعائر الدينية علانية في إدلب، رغم حديث الشرع حول "سوريا جديدة تشوق حقوق الأقليات وتتسع للجميع".
وحذرت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي غابارد، من "قيام النظام السوري الحالي على أسس تنظيم القاعدة"، الأمر الذي اعتبرته قناة "فوكس نيوز" بأنه تحذير وتوقع أصبح حقيقة بعد إعدام المئات من العلويين المدنيين في الساحل السوريز
وكانت غابارد قد حذرت من استيلاء ما وصفتهم "بالإرهابيين" على السلطة في سوريا، وأشارت إلى أنهم سيحكمون البلاد بنفس أفكار تنظيم القاعدة المتطرف.
وقالت غابارد في جلسة أمام مجلس الشيوخ الأميركي :"لا أحب الأسد، ولكنني أكره القاعدة، وأكره أن يتقرب قادتنا من المتطرفين الإسلاميين الذين يُطلقون عليهم لقب المتمردين".
وقال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، إن "القاعدة باتت في صف الولايات المتحدة في سوريا"، في إشارة إلى النظام الجديد بقيادة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي اعتبرته "فوكس نيوز" مسؤولا عن قتل العديد من الجنود الأميركيين من خلال عمله مع القاعدة من قبل.
وتحدث مصدر علوي للقناة الأميركية، مؤكدا وجود ملاحقات من قوات السلطة السورية الجديدة لكل الطائفة العلوية، موضحا: "يريدون قتلنا جميعا، لا يريدوننا في سوريا، علينا أن نهرب لأنهم يسعون للانتقام، ويُمكن أن نقتل في أي لحظة".
ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تحليل لها، أن قيادة أحمد الشرع للسلطة السورية الجديدة، سيسمح باندماج الجماعات المتطرفة والمقاتلين الأجانب في الجيش السوري، نظرا لتحالفاته السابقة مع تنظيم القاعدة خلال السنوات الماضية.
وكانت باربرا ليف المسؤولة البارزة في الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط خلال إدارة بايدن، التي كانت بين أول المسؤولين الأميركيين الذين التقوا الشرع في دمشق، قد قالت إن الرئيس السوري المؤقت يتمتع "بقدر كبير من البراغماتية، وغير واضح إذا كانت خلفيته الجهادية ستؤثر على قراراته كرئيس".
ووصفت باربرا الشرع بأنه "غما ممثل عظيم، أو لديه شخصية أشبه بالإسفنجة، تستوعب كل شيء، ويُشكل بيئة أكبر لضبط التفكير وآليات العمل".
ويأتي استيعاب الجيش الوطني السوري الجديد لميليشيات عديدة بعضها يتبع تنظيمات إرهابية خطيرة مثل داعش والقاعدة، كطريق محفوف بالمخاطر يواجه السلطة السورية الجديدة لإنشاء جيش جديد قادر على حماية البلاد وفرض الأمن.
أصيب الشارع السوري بصدمة بالغة عندما انتشرت مقاطع مرئية على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر وزير العدل شادي الويسي، وهو يشرف على تنفيذ عمليات إعدام ميدانية عام ٢٠١٥ ضد امرأتين بتهمة ممارسة الدعارة ونشر الفجور.
ولم يرد مكتب العلاقات الإعلامية بالحكومة الجديدة على طلب من صحيفة نيويورك تايمز للتعليق على المقطع المنتشر للوزير السوري، في وقت تظهر خلاله ممارسات أخرى متطرفة.
وجاءت عمليات الإعدام الميدانية الأخيرة ضد المدنيين العلويين في الساحل السوري، لتشير إلى أن الجيش السوري والقوات التابعة للسلطة الجديدة، تصرفت بنفس طريقة داعش والقاعدة والميليشيات المتطرفة، ولم تظهر بصورة الجيش الذي يفرض الأمن ويتمتع بأخلاقيات وتعليمات وقوانين صارمة تحكم أفراده.
في تطور يعكس خطورة الوضع الأمني في سوريا، شهد لبنان تدفقاً ملحوظاً لعائلات علوية هاربة من الساحل السوري، حيث فتحت لهم البيوت والمدارس في مناطق لبنانية متفرقة، خاصة تلك ذات الغالبية الشيعية أو المختلطة طائفياً.
هذا النزوح، الذي جاء نتيجة المجازر والعنف الطائفي الذي استهدف العلويين في مدن مثل اللاذقية وطرطوس، لا يكشف فقط عن عمق الأزمة السورية، بل يبرز أيضاً تداخلها المقلق مع الوضع اللبناني الهش.
فتح الأبواب أمام هؤلاء النازحين، رغم التضامن الإنساني الذي يعكسه، يثير مخاوف من انتقال بذور الصراع الطائفي إلى لبنان، الذي يعاني أصلاً من توازنات سياسية واجتماعية هشة.
وتصاعد نفوذ المتطرفين في سوريا، بدعم خارجي واضح، يشكل تهديداً مباشراً ليس فقط لسوريا، بل للبنان والمنطقة بأسرها، حيث قد يؤدي إلى تأجيج التوترات الطائفية وتعزيز التطرف عبر الحدود، مما ينذر بمستقبل مضطرب قد يمتد أثره إلى ما هو أبعد من الحدود السورية.