منذ لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار في لبنان، كان من الواضح أن إسرائيل إنتقلت إلى مرحلة جديدة في التصرف، مستفيدة من عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بالرغم من أنها في عهد الرئيس السابق جو بايدن كانت تحظى أيضاً بدعم مفتوح، سواء كان ذلك على المستوى العسكري أو الدبلوماسي.
في هذا السياق، من الممكن الحديث عن أن تل أبيب تتبنى معادلة حرية التصرف، ليس فقط في لبنان بل أيضاً في فلسطين، على قاعدة أنها نجحت، من خلال المعارك العسكرية التي خاضتها، في قلب موازين القوة في المنطقة لصالحها، وبالتالي من الممكن أن تعمل على تكريسها من الناحية السياسية.
إنطلاقاً من ذلك، تعتبر مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن العودة الإسرائيلية، بدعم من الولايات المتحدة، إلى الحرب في قطاع غزة، رسالة على مستوى المنطقة تشمل لبنان أيضاً، تؤكد من خلالها أنها ستكون، في ظل وجود ترامب، مطلقة اليدين في التصرف، مع العلم أن الإعتداءات التي تمثل خرقاً لإتفاق وقف إطلاق النار مع بيروت مستمرة، بالتزامن مع تلك التي تطال الأراضي السورية.
في هذا المجال، قد يكون من المنطقي البحث في الخطوات التي من الممكن أن يبادر لها الجانب اللبناني في مواجهة الخروقات المتعلقة به، في ظل التركيز الرسمي على الخيار الدبلوماسي، حيث تلفت المصادر نفسها إلى أنّ هذا الخيار، على الأقل حتى الآن، لا يبدو قادراً على تحقيق ما هو مطلوب منه، بسبب تتجاهل تل أبيب كل ما هو مطروح لبنانياً، بالنسبة إلى وقف الإعتداءات والإنسحاب من النقاط التي لا تزال تحتلها، بل على العكس من ذلك تتمادى في الخطوات التي تقوم بها.
وفي حين تؤكد هذه المصادر أنّ الواقع الحالي يمثل إحراجاً للجانب اللبناني الرسمي، تشدد على أن التمادي الإسرائيلي ما كان ليحصل من دون غطاء أميركي واضح المعالم، البعض يعتبر أنه جزء من إتفاق سري تم خلال مفاوضات إتفاق وقف إطلاق النار، بالرغم من نفي المسؤولين اللبنانيين ذلك، بالإضافة إلى تأكيدهم أن بيروت غير معنية في حال كان الإتفاق ثنائيا، أي بين واشنطن وتل أبيب.
في مطلق الأحوال، ترى المصادر السياسية المتابعة أن الأساس هو أن إسرائيل تتصرف وفق معادلتين: الأولى هي الإنقلاب في موازين القوى، أما الثانية فهي الغطاء الأميركي المفتوح، وتشير إلى أن الأهم هو الثانية، ما يبرر عدم تردّدها في العودة إلى الخيار العسكري في غزة، بالرغم من كل المواقف الدولية الرافضة، نظراً إلى أن تدرك أن الحماية الأميركية متوفرة لها، وبالتالي هي ستكون خارج دائرة أي محاسبة، الأمر الذي ترى أنه يشمل مختلف الجبهات، أي سوريا ولبنان أيضاً.
من وجهة نظر المصادر نفسها، الخيارات الأخرى، التي أبرزها المواجهة العسكرية، ستعني عودة تل أبيب إلى الحرب بشكل أكبر، مدعومة من إدارة ترامب، التي تضغط على الجانب اللبناني للذهاب إلى تنازلات كبرى، مرتبطة بالتفاوض الدبلوماسي، في حال أراد الذهاب إلى حل الخلافات العالقة، الأمر الذي لا يبدو أن ظروفه متوفرة، على الأقل حتى الآن، وهو ما قد يرتبط أيضاً بكل ما يُطرح عن شروط على مستوى إعادة الإعمار أو تقديم أي مساعدات.
في المحصلة، تذهب هذه المصادر إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال الإشارة إلى أن الملف اللبناني يتعلق، بشكل أو بآخر، في مصير المفاوضات مع إيران، أكثر من غيره من الملفات الإقليمية الأخرى، وبالتالي أي تحول في هذا الملف ينسحب على ما سيحصل في المفاوضات بين واشنطن وطهران، ما يجعل الأمور مفتوحة على كافة السيناريوهات، إلا أن العنوان الأبرز يبقى أن تل أبيب، مدعومة من أميركا، تسعى إلى تكريس، ما يتحدث عنه بنيامين نتانياهو بشكل دائم، لناحية تغيير وجه الشرق الأوسط بشكل كامل.