كشفت مصادر فلسطينية لـ"النشرة" أن لبنان الرسمي يواكب باهتمام بالغ وعن كثب تفاصيل الهجمة السياسية والمالية الشرسة التي تتعرض لها وكالة "الأونروا"، نظرًا لانعكاساتها المباشرة على أوضاع اللاجئين في المخيمات، حيث تتزايد المخاوف من أن يؤدي إنهاء عملها أو نقص التمويل إلى وقف خدماتها أو تراجعها، في محاولة لفرض التوطين.
والشعور اللبناني بخطورة المرحلة والهجمة الأميركية–الإسرائيلية على الوكالة دفعه، بخلاف السابق، إلى تضمين فقرة واضحة وحاسمة في خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، وفي البيان الوزاري لحكومة القاضي نواف سلام-الإصلاح والإنقاذ، حيث أكدا على معادلة "رفض التوطين على قاعدة التمسك بحق العودة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره".
ووفق ما يتداول في الأروقة السياسية الفلسطينية الضيقة، فإن "الأونروا" تواجه جديًا أخطر مرحلة منذ تأسيسها، ما دفع المفوض العام فيليب لازاريني إلى دق ناقوس الخطر أكثر من مرة، وآخرها منذ أيام، حيث حذّر من العواقب الكارثية التي قد تنجم عن انهيار الوكالة، وأكد أن "هناك خطرًا حقيقيًا يتمثل في انهيار الوكالة وانفجارها إذا ما استمرت ضائقتها المالية الشديدة".
بالمقابل، تخشى أوساط فلسطينية بارزة من أن يكون التضارب في أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مدخلًا لفرض التوطين، ارتباطًا بانخفاض أعدادهم، وتحديدًا المقيمين بشكل دائم فيه، أو على الأقل أن يكون ذريعة للدول المانحة لمساعدات "الأونروا" لتخفيض تبرعاتها في ظل الهجمة السياسية والحصار المالي عليها.
تضارب الارقام
ويحذر مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين والخبير في شؤون "الأونروا" الكاتب علي هويدي من تباين الأرقام المتعلقة بأعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مشيرًا إلى أن تضخيم الأعداد يخدم أطرافًا سياسية لبنانية تسعى لإظهار استحالة التوطين والتأثير على التركيبة الديمغرافية.
وأوضح هويدي، في تصريح لـ"النشرة"، أن الرقم الذي أعلنته مديرة الأونروا في لبنان، دوروثي كلاوس، والبالغ 222 ألف لاجئ، غير دقيق، حيث لم يسجل العديد من اللاجئين، بمن فيهم بعض موظفي الوكالة، في منصة التحقق الرقمي. كما أن الرقم السابق البالغ 174 ألفًا، الذي نشرته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، تضمن أخطاءً في الإحصاء.
وأكد هويدي أن العدد الفعلي للاجئين في لبنان يُقدّر بنحو 300 ألف، وفقًا لتقارير سابقة للأونروا نفسها، التي أشارت إلى أن الأعداد تتراوح بين 260 و280 ألفًا، موضحًا أن تراجع الأرقام المسجلة يعود إلى موجات الهجرة المستمرة منذ سنوات.
وأشار إلى أن المخاوف من التوطين قائمة، حيث يمكن استغلال انخفاض الأعداد المسجلة لتسويق فكرة أنه لم يعد يشكل أزمة سياسية، إلا أن التوطين مرفوض تمامًا من قبل اللاجئين والدولة اللبنانية، التي أكدت في بيانها الوزاري على حق العودة. وحذّر من أن أي ضغوط في هذا الاتجاه قد تؤدي إلى توترات بين اللاجئين الفلسطينيين والدولة المضيفة.
مخاوف التوطين
بينما حذر مسؤول ملف "الأونروا" في "حركة الجهاد الإسلامي" في لبنان جهاد محمد، من أن تضارب الأرقام حول أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا يعكس الواقع الحقيقي. وأكد أن هذه الفجوة تثير تساؤلات حول كيفية إدارة ملف اللاجئين، خاصة في ظل حملة صهيونية مستمرة تستهدف الأونروا بدعم أميركي، ما أدى إلى وقف بعض الدول المانحة لتمويلها.
وأوضح محمد لـ"النشرة"، أن هذا التوجه قد يُستخدم كمدخل لفرض التوطين، إذ يشكل تضارب الأعداد محاولة لتشويش الحقائق حول وضع اللاجئين، في سياق مساعٍ لإنهاء حق العودة عبر استهداف الأونروا، التي تمثل شاهدًا سياسيًا على هذا الحق. وأكد رفض جميع القوى الفلسطينية واللاجئين لهذا المشروع، محذرًا من استغلال العدو الصهيوني والإدارة الأميركية لهذه الفجوة للضغط على لبنان لتقديم تسهيلات تمس بمكانة اللاجئين.
وأشار إلى أن تضارب الأعداد قد يكون أيضًا سببًا محتملاً لتقليص التمويل الدولي للأونروا، مما قد يؤدي إلى تراجع الخدمات الأساسية، خصوصًا في مجالات التعليم والصحة والإغاثة، مما يفاقم معاناة اللاجئين. وأكد أن الإحصاءات السابقة لم تعكس العدد الحقيقي للفلسطينيين في لبنان، ودعا إلى مراجعة الأرقام بدقة لضمان شمول جميع اللاجئين في عملية التحقق الرقمي، وليس فقط المقيمين في لبنان، تفاديًا لأي تأثير سلبي على حقوقهم ومنع أي تلاعب قد يؤدي إلى تشويه وضعهم أمام المجتمع الدولي.