منذ ايام، والوتيرة ترتفع عن كلام يتناقله الكثيرون حول خشية من عودة اندلاع الحرب بين اسرائيل ولبنان، خصوصاً بعد استعادة آلية الاجرام الاسرائيلي نشاطها في غزة، لتسرح وتمرح تحت اعين الجميع، وتقتل وتهجّر ما تدمّر قدر ما تشاء. وما يزيد الطين بلّة، هو خروج بعض من يطلق عليهم (من دون وجه حق) لقب خبراء ومحللين استراتيجيين، اثبتوا خلال الحرب الاخيرة انهم مجرد "منظّرين" يستغلّون الابواب التي تفتحها لهم وسائل الاعلام (سامحها الله)، ليدلوا بما يشاؤون من كلام وافكار سرعان ما يثبت انها لا تمت الى الواقع والمنطق بصلة. هؤلاء انفسهم هم الذين يعاودون الكرّة اليوم، ويقولون انّ الحرب تقرع ابواب لبنان من جديد، وانها هذه المرة ستكون مختلفة عن كل المرات السابقة، فيثيرون الهلع والخوف والقلق عند بعض ضعفاء النفوس الذين ذاقوا لوعة الالم والمآسي للحرب الاخيرة.

اليوم، وانطلاقاً من المتغيرات التي شهدها لبنان والمنطقة، من المنصف التوقف والتفكير بمعاني الكلمات التي اصبحت تحمل تقديرات مختلفة عن السابق. فالحديث عن حرب بشكل عام، يكون بين طرفين، والواقع الحالي يشير الى ان لبنان لم يعد طرفاً في ايّ حرب، فقد كان حزب الله الوحيد القادر على تحقيق توازن الرعب مع اسرائيل، الا انه اليوم لم يعد قادرا على ذلك، والجيش لا يملك نوعية الاسلحة ولا الموافقة الدولية للدخول في حرب مع الاسرائيليين، وبالتالي فإنّ مفهوم الحديث عن حرب غير موجود بالاصل. في المقابل، هناك سبب وحيد يصحّ فيه الحديث عن مواجهات مسلّحة بين الجيش او اللبنانيين من جهة، والقوات الاسرائيلية من جهة ثانية، وهو: الغزو والاحتلال، ولكن لا تبدو اسرائيل متحمّسة في الاصل لمثل هذا الخيار.

اما الحديث عن ضربات اسرائيليّة واستباحة السيادة اللبنانية، فهو امر تحوّل الى عاديّ، بعد الموافقة الاميركية والدوليّة على ذلك، وسحب ورقة تهديد المستوطنات او الجيش الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلّة من الحسبان، كونها لم تعد قابلة للتحقيق حالياً. اذ يمكن للطيران الاسرائيلي ضرب اي منطقة في اي وقت، والقاء اللوم على اللبنانيين (حزب الله وغيره) كما يحلو له، وممارسة كل انواع التهديد والوعيد للجنوبيين والمسؤولين اللبنانيين، من دون اي رادع. ويدرك المسؤولون في تل ابيب، ان اي احتلال للاراضي اللبنانية، سيترتب عليه تعريض حياة الضباط والجنود الاسرائيليين لخطر جسيم، وهو لزوم ما لا يلزم، لانّ اسرائيل تفرض حالياً ما تريده بذراع اميركي وبدعم دولي لا يمكن تخفيفه او تغييره، بدليل ما يحصل في غزّة حالياً. فلماذا تخاطر بحياة عناصر جيشها ان كان بامكانها القيام بكل شيء من بعيد، ومن دون فرض اي احتلال؟ وهو ما تقوم به في غزّة حالياً، حيث اعلن المسؤولون الاسرائيليّون بوضوح تام ان لا رغبة لديهم حالياً في الدخول برياً الى غزة، وهذا من شأنه تقليل الخسائر البشريّة في صفوف جيشها الى اقل نسبة ممكنة.

من هنا، يعتبر الحديث عن اندلاع حرب بين اسرائيل ولبنان، امر مبالغ فيه، في حين ان التخويف من ضربات اسرائيليّة منطقي، لانّ الطائرات الاسرائيليّة تصل الى حيث تشاء من دون رادع او حسيب، وتطلق صواريخها على ايّ هدف في ايّ منطقة لبنانية من دون التوقف عند ايّ اعتبار، وهو امر اعتدنا عليه ولا يصل الى مستوى الحرب بأيّ حال من الاحوال. لا يحتاج اللبنانيون الى المزيد من القلق والتخويف، وليس المطلوب بث اجواء اطمئنان مزيّفة، انما ليس المطلوب ايضاً ايصالهم الى اليأس. كل ما في الامر هو الابقاء على العقل والمنطق قدر الامكان، والتعامل مع الامور من هذا المنظار، لعل وعسى نصل الى حيث يريد الجميع الوصول اليه.