أشار شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز ​سامي أبي المنى، إلى أن "المنطقة تواجه مخططا فظا لتفتيت العالم العربي، ونحن نرى المحاولات المتكررة لسلخ الأقليات عن هويتها وتاريخها وعمقها الوجداني، لكن طائفة الموحدين الدروز كانت وستبقى في بلاد الشام مرتبطة بجذورها العربية الإسلامية، ومتمسكة بهويتها التوحيدية المعروفية، وحريصة على رسالتها الوطنية القومية، وإذا كان العقل والحكمة عنوانها المعروف، والبطولة والإقدام تاريخها الموصوف، فإن التسامح والتضحية واحترام الشريك الوطني ونبذ التعصب هي مفاهيم إنسانية ثابتة تشكل رؤيتها الحوارية الناصعة وحقيقتها الوطنية اللاحمة الجامعة".

كلام ابي المنى جاء خلال الإفطار الذي أقيم في دار الطائفة، حيث لبى رئيس الجمهورية جوزاف عون الدعوة للمشاركة في الإفطار.

وقال: "نستضيف نخبة كريمة من الوجوه اللبنانية والصديقة، في مشهد وطني مهيب يشير إلى تلاقي العائلات الروحية، ويؤكد على ميزة الواقع اللبناني، في مرحلة حساسة من حياة الوطن، هي أشبه ما يكون بمرحلة اختبار تحتم علينا الاختيار، فهل ننجح في الاختبار ونختار أن نكون أهلا لبناء الدولة أم نستسلم للغرق في وحول التناقضات والمحاصصات؟ هل نبلسم جراح بعضنا بعضا فننطلق معا في مسيرة الشراكة والإصلاح والبناء، أم نمعن في الاستقواء على الدولة وكل منا على الآخر والإساءة إليه وإلى تاريخه وتضحياته ومشاعره؟ لقد آن الأوان لنتأكد أنه على حسن اختيارنا وصحة قرارنا يتوقف نجاح العهد وتصان كرامة الدولة وتتحقق نهضة الوطن".

وأضاف "ندرك وتدركون أننا في هذا الشرق العتيق نواجه عدوا متربصا بنا؛ يستعمل القوة العسكرية حينا والقوة الناعمة حينا آخر في دهاء وغطرسة لا حدود لهما، كما هو الحال في عدوانه وأطماعه التوسعية؛ فيقتل ويدمر غير آبه بقرارات دولية واتفاقات ميدانية، مثلما فعل ويفعل اليوم في غزة بآلته الإجرامية، ويمد يده إلى داخل المجتمعات ليعبث بالجذور والتراث؛ ويقدم إغراءات الحماية والاحتضان لاستمالة الشعوب التي أفقرتها الأنظمة المخابراتية الاستبدادية وهددتها السياسات الإلغائية؛ عدوا لا بد من مقاومته، إن لم يكن بالسيف دائما، فبالكلمة والموقف والتضامن الوطني والعربي، مقاومة دبلوماسية تستنهض عواصم العالم والمجتمع الدولي المتقاعس، وسياسية تحفظ الثوابت الوطنية والقومية ولا تفرط بها، وثقافية تحافظ على إرث الآباء وهوية الأجداد، واقتصادية تجيد التخطيط والتعاون والاستثمار المجدي، وغايتنا الوحيدة أن تستعاد الحقوق المشروعة ويتحقق السلام العادل الشامل، وهذا هو مطلبنا ومطلب الأمة".

ولفت ابي المنى إلى أن "اللبنانيين صفتهم الشجاعة وقوتهم التأقلم، والشجاعة اليوم عندنا هي في المرونة والتأقلم مع الواقع وفي تغليب مصلحة البلد على كل ما عداها. إن عهدكم الذي عهدتموه يمتلك من الشجاعة والمرونة ما هو كفيل بانطلاق مسيرة الخير بما تتطلبه من جهد مشترك وكفاءة عالية، ورعاية أبوية طيبة من الرئاسة الأولى، وثقة مستحقة من المجلس النيابي، وتفاعل إيجابي من الحكومة، وانخراط من قبل الجميع في هذه المهمة الوطنية، ونحن منهم، أخوة وشركاء روحيين، لا نقبل التخلي عن مسؤوليتنا، بل نؤكد دائما على الشراكة الروحية الوطنية لتكون المظلة الواقية والمساحة المشتركة لورشة الإصلاح والإنقاذ".

ورأى أن "هذا اللقاء الروحي الوطني الجامع أننا فعلا نلتقي فنرتقي؛ نلتقي على محبتنا للبنان فنرتقي بوحدتنا الوطنية، وكأننا نسير قدما لتحقيق هذه "الشراكة الروحية الوطنية" التي نادينا بها من دار الفتوى ومن مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وقبل ذلك من بكركي ومن غير مكان، وسنستمر في مسعانا آملين أن تحتضن هذه المبادرة من قبل فخامتكم، بما لكم من صفة الأبوة والرعاية، واستكمالا لما أقسمتم عليه في خطابكم "لبناء دولة قوية واقتصاد منتج وأمن متماسك ومستقبل واعد." معكم يا صاحب الفخامة نؤكد أننا مدعوون إلى التضامن الداخلي أولا، قادة روحيين وسياسيين، وأننا بحاجة إلى الأشقاء العرب والأصدقاء المخلصين، للنهوض بلبنان المتصالح مع نفسه والمبادر إلى الإصلاح ليعود من جديد، وأكثر مما كان، منارة للشرق ومقصدا لإخوانه العرب، بما فيه من مقومات طبيعية وثقافية واقتصادية واجتماعية كامنة تحتاج إلى أيادي الخير والمحبة والعمل المتقن الدؤوب لتبعث فيه النهضة والقوة من جديد".

وشدد على أنه "علينا أن نستمر في إيقاد جذوة الشعور الوطني في أبنائنا للانخراط في مسيرة النهوض ووضع طاقاتهم الغنية والمتنوعة في خدمة الدولة والوطن. إننا ننتظر أن تبدأ رحلة العمل لتحقيق الأمل، في ورشة داخلية يشارك فيها الجميع، مجلسا وحكومة وإدارة ونخبا متنوعة، نحافظ من خلالها على سيادة بلادنا ونصون حدودها وننهض باقتصادها ونحصن مجتمعها ونبني مؤسساتها ونستثمر علاقاتها، لنعيد وطننا إلى خريطة العالم، بعمقه العربي وانفتاحه الدولي، وهذا ما يستحقه لبنان بما لديه من تراث وطاقات، وبما يختزنه من مقومات حياة".

وقال في كلامه وجهه للرئيس عون: "التحديات ستظل قائمة والعقبات الطبيعية والمصطنعة والمستوردة ستظل تواجهكم وتضعكم أمام خيارات صعبة، لكنكم مصممون على التحدي وعليكم تعقد الآمال، كيف لا؟ وأنتم متمرسون في مهمة المواجهة والصمود، وإلى جانبكم رئيس البرلمان الحكيم نبيه بري، ورئيس الحكومة القادم من قوس العدالة والنزاهة والعالمية نواف سلام ومجموعة الوزراء الواعدين، ونحن كذلك سنكون معكم وإلى جانبكم، بصلواتنا ومواكبتنا، لنكون كلنا مجتمعين في شراكة روحية وطنية مكتملة، منتصرين بانتصار الوطن".

وشارك في الإفطار: رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، الرئيس السابق ميشال عون، نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، رئيسا الحكومة السابقين: نجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، الوزير والنائب السابق وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وزراء ونواب حاليون وسابقون، ورؤساء احزاب.

وحضر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، رئيس المجلس الاسلامي العلوي الشيخ علي قدور، بطريرك الأرمن الكاثوليك البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون مينسيان، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس مار اغناطيوس افرام الثاني، رئيس الطائفة القبطية الارثوذكسية في لبنان وسوريا القمص اندراوس الانطوني، رئيس الطائفة الانجيلية في لبنان وسوريا القس جوزف قصاب، والسفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، اضافة الى عدد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، ورؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والاجنبية، رؤساء السلطات القضائية، قادة الاجهزة العسكرية والامنية، السلك الاداري، محافظون، مدراء وامناء عامون، اضافة الى رؤساء اللجان وأعضاء المجلس المذهبي والمسؤولين في مديريتي المشيخة والمجلس.