اشار متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة الى ان صلاتنا نرفعها من أجل أن يحفظ الرب كل الأمهات ويبارك تضحياتهن، وأن يرحم اللواتي سبقننا إلى الخدر السماوي، كما نصلي من أجل أن يحفظ الرب شعب هذا البلد الحبيب، الذي يحمل الصليب منذ خمسين سنة، ولا يزال، عل قيامة لبنان تزهر قريبا. نصف قرن من التناحر والتباين والتحارب كافية ليدرك الجميع أن مظلة الدولة وحدها تحمي الجميع، وأن جيش الوطن وحده يذود عن الجميع. عدم الإنتماء إلى الدولة وعدم الولاء لها يدمران البلد ويشدانه إلى الهاوية. لذا على الجميع، أحزابا وجماعات وأفرادا، أن يتعقلوا ويفتحوا أعينهم ليروا كل البشاعات الحاصلة، ويدركوا أن إضعاف الدولة يضعفهم وهلاك الدولة يعني هلاكهم وأن عليهم عدم المساومة على سيادة وطنهم وأمن أولادهم".

واردف المطران عودة خلال خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، "فلنشتر الوقت ونعمل جميعنا من أجل حفظ وطننا واحترام جيشه الذي يحمي الوطن. لنجاهد من أجل خلاص بلدنا لنخلص نفوسنا".

وتابع "ها قد وصلنا في هذا الأحد الثالث من الصوم الذي هو أحد السجود للصليب المقدس في منتصف الطريق المؤدي إلى هدف صومنا، إلى معاينة القيامة المجيدة. قد يكون التعب تسلل إلى نفوس المؤمنين الصائمين، لذا رتبت الكنيسة أن يرفع صليب المسيح أمامنا اليوم لنسجد له ونتشدد في مسيرتنا الصيامية الجهادية". أضاف: "يبدأ الإنجيل الذي سمعناه اليوم بقول الرب: «من أراد أن يتبعني، فليكفر بنفسه، ويحمل صليبه ويتبعني، لأن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها". فلكي نخلص علينا أن نتشبه بمسيحنا ومخلصنا الذي تجسد واتخذ طبيعتنا وكان مجربا "في كل شيء مثلنا ما خلا الخطيئة". لقد أتى المسيح إلى أرضنا متنازلا من عرشه السماوي لكي يعلمنا كيف نربح الملكوت مجددا، بعدما دخلت الخطيئة إلى العالم، وبها دخل الموت، وبسببها طرد آدم من الفردوس. اليوم، يرتفع الصليب في وسط الكنيسة، متوسطا رحلة الصوم الكبير، ليذكرنا بأن كل مسيرة نحو هدف سام لا بد أن تمر بمصاعب وآلام وعوائق، لكن هذا كله يصبح طي النسيان عند الوصول. أليس هذا ما يحدث عندما توشك الأم على الولادة، وتنسى آلام المخاض عندما تحتضن وليدها؟ الأم التي عيد لها عالمنا منذ أيام هي مثال لمن يحمل الصليب، ليس من أجلها شخصيا، بل من أجل أولادها وعائلتها كي يصلوا إلى الفرح والإستقرار والنجاح بفضل محبتها وتضحياتها وتفانيها من أجلهم".

وتابع: "إذا تمعنا في خدمة سحر هذا اليوم المبارك، نجدها تتطابق مع خدمة صباح الفصح المجيد، من حيث التراتيل والألحان. تستخدم الكنيسة هذا المنطق الليتورجي لكي نتذوق مسبقا فرح القيامة المنشودة، ونتشدد في حال بدأت قوانا تخور، فيقوى عزمنا ونتابع السير نحو الهدف بخطى ثابتة، لا تزعزعها هجمات الشياطين ومكائدهم. التراتيل التي تتلى في الأحد الثالث من الصوم تحمل نفحة قيامية يبشر بها ختام المقطع الإنجيلي: "الحق أقول لكم: إن قوما من القائمين ههنا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة". كذلك نحن نصلي قائلين: "ليأت ملكوتك". الملكوت يتحقق من خلال ما نقوم به مع أخينا الإنسان. ألم يصلب المسيح من أجلنا ليعلمنا أن علينا أن نصلب من أجل إخوتنا، وهكذا نصل بالمحبة إلى الملكوت. الصليب طريقنا إلى الملكوت، به نحارب مكائد الشيطان وبه ننتصر. قد يرى البعض في الصليب مجرد وسيلة تعذيب كما كان يحصل في القديم، أي آلة عقاب لمرتكبي الجرائم. لكنه بالنسبة لنا نحن المسيحيين أداة انتصار ووسيلة خلاص. يقول الرسول بولس: "إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1 كو 1: 18). نحن نؤمن أن خلاص العالم قد حصل بالصليب. المهم ألا يبقى الصليب مجرد فكرة نتغنى بها بل أن يصبح جزءا من كياننا، لذا يقول لنا الرب يسوع «من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني". علينا أن نحمل الصليب كما حمله ربنا، عالمين أنه قد يصل بنا إلى الموت الذي يوصلنا إلى القيامة، متذكرين أن القبور تفتحت وقام الكثيرون بالجسد لحظة موت الرب يسوع بالجسد على الصليب وتحقق الإنتصار على الشرير".

وقال: "سمعنا في الإنجيل: "من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطىء يستحي به ابن البشر متى أتى في مجد أبيه." بعض مسيحيي عصرنا يستهينون بالصليب، بدءا من كيفية رسم إشارة الصليب أو الخجل منها، وصولا إلى الأشكال الغريبة كالصليب المائل والمتموج وغيرها من الأشكال التي يعلقونها في رقابهم ولا تمت إلى الصليب بصلة. يقول القديس يوحنا كرونشتادت الروسي: "إن الشياطين ترتعب من منظر الصليب، وحتى من مجرد الإشارة به باليد، لأن السيد المسيح له المجد ظفر بالشيطان وكل قواته ورئاساته على الصليب، وجردهم من رئاستهم وفضحهم علنا فصارت علامة الصليب تذكيرا لهم بالفضيحة وإشارة إلى العذاب المزمع أن يطرحوا فيه". لذلك، انتبهوا ألا تقعوا ضحية للشيطان المتلاعب بكم، الذي يجعلكم تنبهرون بأشكال غريبة كي يبعدكم عن خلاصكم ويسود هو على حياتكم".

أضاف: "دعوتنا اليوم أن نحمل صليب الرب بفرح قيامي، عالمين أن القيامة آتية لا محالة. لنتأمل هذا السر العظيم، سر خلاصنا، ولنحزم أمرنا ونتبع يسوع، عالمين أننا، مهما كان صليبنا ثقيلا، سوف نلج بعده إلى فرح القيامة، متذكرين ما قاله لنا: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. إحملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيري هين وحملي خفيف" (متى 11: 29-30).