"ما حَدا بيُسقُط إلَّا إذا سَقَط مِن جُوَّا" يا لِهَولِ هذا القَولِ لِلأخَوَينِ رَحباني، هُما الأدرَكا أنَّنا كُلُّنا "ناسٌ مِن وَرَقٍ"، في وَطَنٍ مِن رؤيا ألَمٍ وَفِداءٍ!
أجَل! هَشاشَةُ لبنانَ، أنَّ "ناسَهُ" مُنشَطِرونَ بَينَ الإيمانِ بِهِ والإنعِتاقِ مَنهُ كَمَنَ يَتَخَلَّصُ مِن عِبءٍ. هَذِهِ لَيسَت مُعضِلَةُ عَقلٍ، بَل مُعضِلَةُ مَفهومٍ: أنَنَتَمي الى وَطَنٍ، أم الى هُروبٍ؟ الوَطَنُ لامُتَناهٍ، أمَّا نَحنُ فَنِهاياتُنا نُسَطِّرُها بِذَواتنا بَينَ الشَغَفِ والخيانَةِ. لَيسَتِ المَسألَةُ: نَكونَ أو لا نَكونَ، بَل نَعشَقُ أو نَخونُ.
أمَع لبنانَ-وَطَني أُصلَبُ، فَأحيا، لا أنا بَل لبنانُ يَحيا فِيَّ؟ أأنا مَملوءٌ مِنهُ، كَما تَمتَلِئ الرَحابَةُ مِنَ الروحِ... وَحَيثُ تَكونُ الروحُ، يَكونُ لبنانُ المَولودُ مِن فَوقَ؟
أنا بِحاجَةٍ الى لبنانَ، وَطَناً لي، "مِن جُوَّا"، مِن هَذا الداخِلِ الذي فِيَّ، بِدءاً وَنُهى. لا لُهاثاً مِن إلحادٍ يُتَعتِعُني كَتَهديدٍ لِحُرِّيَتي حَدَّ الإعتِرافِ عُنوَةً أنَّ مَوتَهُ فِيَّ هو بُلوغُ حُرِّيَتي. لا! لبنانُ فِيَّ لَيسَ إلغاءً لإنسانِيَّتي وَلا لِحُرِّيَتي، وَلا لِكَينونَتي. إنَّهُ تَجَسُّدُها كُلُّها أو... لا أكونُ.
السُقوطُ مِن هَذا "الجُوَّا" هو أخطَرُ ما يُهَدِّدُ لبنانَ. أمامَ عاتِياتِ الخارِجِ، لبنانُ قائِمٌ في الأَزَلِ والعاتِياتُ لِإندِحارٍ مَهما صالَت عَربَدَةً زَماناً وَمَكاناً. أمَّا عاتِيَةُ الداخِلِ هَذِهِ، أيّ عُهرُ أن يَنكُرَ إنسانُ لبنانَ لُبنانَهُ الذي فيهِ، فَذَلِكَ الخَطَرُ الأدهى. وَدَهاؤهُ أنَّ مَن يُغَذِّيهِ مُستَتِرٌ إنَّما فاعِلٌ، مُدرِكٌ وَقاهِرٌ... وَخَطيئَتُهُ أمامَ لبنانَ في كُلِّ حينٍ.
تِلكَ جَدَلِيَّةُ لبنانَ: جَدَلِيَّةُ الخَيرِ المُعتَبِرِ لبنانَ في آنٍ هِبَةَ طاعَةٍ (وَجهُ نِهائِيَّتِهِ) وإستِقلالٍ (وَجهُ لانِهائِيَّتِهِ)، والشَرِّ المُعتَبِرِهِ قَدَرِيَّةً تَستَوجِبُ التَخَلُّصَ مِنها بِتَواطؤِ الخارِجِ-الـ"بَرَّا" والـ"جُوَّا"-الداخِلِ. الخَيرُ المُتآلِفُ مَعَ حَقيقَتِهِ، والشَرُّ النافيُ لِقُطبِيَّتِهِ كَحاجَةٍ لَيسَ فَقَط لِإنسانِهِ بَل لِلإنسانِ كَكُلٍّ، وَلَيسَ فَقَط للهِ بَل لِمَفهومِ الأُلوهَةِ.
في ذَلِكَ الهَولِ... كُلُّ مَن ألغى كَينونَةَ اللهِ وَتالياً-حُكماً الإنسانَ في ذاتِهِ وإستَبدَلَهُما بِالإستيلاءِ-الإِقتِناءِ، مُلغٍ حُكماً-تالِياً لِلبنانَ.
أيَستَدرِجُني لِهَذا السُقوطِ مِن "جُوَّا"، فَأهِبُهُ لبنانَ-كُلِيَّتي غَنيمَةً؟ بَقاءُ لبنانَ-الأُلوهَةِ وَلبنانَ-الإنسانِيَّةِ قائِمٌ على حَدِّ جَوابيَ، المُستَأمِنُهُ لِأبنائِيَ: أأكونُ تَقدِمَةً حُرَّةً لِلبنانَ تُبادِلُهُ حُرِيَّتَهُ ألتَقَبَّلَها مِنَ اللِه، وَتَركيزي على إنتِمائِيَ لَهُ إرتِقاءً تَصاعُدِيَّاً مِن حُرِّيَتي المُستَديمَةِ لَهُ نَحوَ اللهِ مَصدَرِهِ اللانِهائِيِّ؟
شَخصانِيَّةُ "المَا-فَوقَ"
أن تَكونَ لبنانَ ال"مِن جُوَّا" يَقتَضي مِنكَ عَدَمَ الوقوعِ في الشَركِ المَنصوبِ لَكَ لِلتَخَلُّصِ مِنهُ "مِن جُوَّا" عَبرَ تَلاغي ثُنائِيَّةِ: الحُلُمِ/الهَزيمَةِ. لا! لبنانُ لَيسَ حُلُماً، هو حَقيقَة الحَقيقَةِ. وَأجَل! تَخَلُّصُكَ مِنهُ "مِن بَرَّا" أو/وَ مِن "جُوَّا" هو هَزيمَتُكَ. لا! لَيسَ هو الهَزيمَةُ.
وَحدانِيَّتُكَ فيهِ مِن "جُوَّا"-الداخِلِ وَ... مِن "بَرَّا"-الخارِجِ، تَوكيدُ إمتِلائِهِ فيكَ وإمتِلائِكَ مِنهُ، تَوكيدُ تَحَقُّقِهِ... وَهَزيمَةُ مَن يَبغي هَزيمَتَهُ مِن "جُوَّا" وَ/أو مِن "بَرَّا" فيكَ.
هو المَشروعُ الوَحيدُ لِتَسَيُّدِكَ. جَذرِيَّةً وَدَيمومَةً. لا موارَبَةً وَلا غُموضاً. قُلّ: شَخصانِيَّةً في عَمَلِيَّةِ مواءَمَةٍ ثالوثِيَّةِ الأبعادِ: الفَردِيَّةُ المُتَجَسِّدَةُ، الجَماعِيَّةُ التَجَسُّدِيَّةُ، وَمِنهُما الى التِجَلِّي في "الما-فَوقَ"، في القيمَةِ المُطلَقَةِ لِلإنتِماءِ، فِكراً وَإيماناً، مِنَ الأرضِ الى السَماءِ. مِنَ الإنسانِ لِلأُلوهَةِ.
أجَل! لَيسَ لبنانُ مَشروعاً لاأدَرِيَّاً، وَلا نَبذاً إنكارِيَّاً. هو شَخصانِيَّةُ "الما-فَوقَ" الخَلَّاقَةُ. قُلّ: قُدسِيَّةٌ إنسانِيَّةٌ-إلَهِيَّةٌ-وَطَنِيَّةٌ. ذُروَةُ تَمايُزِها أنَّها... لا تَسقُطُ مِن "جُوَّا" مَهما تَبادَعَت إيديولوجِيَّاتُ الإستِحواذِ على طَرائِقَ إسقاطِها... جُغرافِيَّاً وَتاريخِيَّاً.