بعد اتفاق وقف الاعمال القتالية بين لبنان واسرائيل (والذي لم ولن تلتزم به اسرائيل)، تم الاعتراف من قبل الجميع (الا قلة قليلة من المتعاطفين مع حزب الله الذين يتمسكون برأيهم من دون اي موضوعية)، بأن السلاح لم يعد موجوداً جنوب الليطاني، وهذا الامر اتى باعتراف وزير المال ياسين جابر المحسوب على رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو "الاخ الاكبر لحزب الله" باعتراف المسؤولين عن الحزب وفي مقدمهم الامين العام الشيخ نعيم قاسم. لم يعد هناك من سلاح اذاً للحزب في هذه المنطقة، وهو مطلب اسرائيلي قديم قدم القرار 1701، ولكنه لم ينفذ الا في الاشهر الماضية.

وهذا الكلام معطوفًا على الموقف الصادر منذ ايام ايضاً عن رئيس الحكومة نواف سلام، لا يدع مجالاً للشك بأن سلاح حزب الله لم يعد كما كان سابقاً، ولا دوره، ولا شبه الاجماع عليه. ولكن، وعلى الرغم من كل ذلك، لم ترغب اسرائيل في تفويت الفرصة لاثبات انها باتت تملك اليد الطولى في لبنان والمنطقة ككل، و"عاقبت" اللبنانيين على اطلاق صواريخ بدائية لا مفاعيل كبيرة لها، بعرض عضلات جوي تمثل بنحو 50 غارة على مناطق ونقاط لبنانية، ووصل التهديد مجدداً بقصف بيروت، من دون وجود اي صوت من اصوات المعارضة لا العربية ولا الاقليمية ولا الدولية، حتى ان اصواتاً خرجت تحذر من انه اذا لم يحل موضوع السلاح داخلياً، فستتولى اسرائيل وسوريا حلّه من خارج الحدود!.

صحيح اننا سئمنا الحرب، وصحيح انه لم يعد ينفع الهروب من الواقع والمنطق الذي يفيد بأن لبنان خسر كل ما يملك من نقاط ضغط وتوازن رعب ضد اسرائيل، ولكنه صحيح ايضاً ان احداً غير مهتم بهذا البلد، وان كل ما يتم التركيز عليه هو كيفية ضمان امن اسرائيل وسلامة الاسرائيليين من اي تهديد في المستقبل. ما لم يقله المسؤولون اللبنانيون والاسرائيليون، قاله المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف عبر تأكيده ان "تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع سوريا ولبنان أصبح احتمالاً حقيقياً"، وأن لبنان يمكنه حرفياً تطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر إبرام معاهدة سلام". لم يناور ويتكوف ولم يستح ولم يراع مشاعر احد، قالها بالفم الملآن ومن دون ارتداء اي قفاز، ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب يريد اتفاق سلام بين لبنان واسرائيل، والا ستقوم بما يحلو لها من دون رادع ولا حسيب او رقيب، الى ان يقتنع اللبنانيون ان لا مفرّ من التوقيع على مثل هذا الاتفاق، كي ينعموا بالاستقرار على الحدود الجنوبية.

كل المؤشرات تفيد ان هذا هو المسار الذي تم وضعه لدول المنطقة كافة، وبالاخص لبنان، فمن سيقف في وجهه؟ لم يعد هناك من قدرة فعلية للبلد ولا لسوريا في التصدي لمثل هذا الطرح، فلا تل ابيب ترغب في المغامرة بوضع جنود لها على الاراضي اللبنانية او السورية ليكونوا صيداً سهلاً للمقاومة التي ستعود الى سابق عهدها منذ بداياتها، ولا امكانية على المدى المنظور لحزب الله او غيره، ليفرض على اسرائيل اعادة النظر في قراراتها ومواقفها وافعالها، وان تحسب مئة حساب قبل ان تستغل تفوقها الجوي العارم.

من هنا، يمكن توقع ما ينتظر المنطقة وبيروت، وهو ابعد بكثير من سلاح حزب الله الذي لم يعد له الاولوية على قائمة الشروط المطلوب تنفيذها من قبل الدول المحيطة باسرائيل، بل ان العمل ينصب على تطبيع العلاقات وابرام اتفاقات سلام، وكل ذلك قبل نهاية عهد ترامب الجديد بعد اربع سنوات.