لا يخدم الوضع الحالي في الاقليم سوى الحسابات الأميركية وإن كان في الظاهر ’’تقدم شكلي‘‘ للأدوار التركية والاسرائيلية في سوريا ولبنان وتراجع نسبي للدور الايراني.

أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يعتمد خطابا عالي اللهجة يتبع تكتيكا يضع فيه العواصم الثلاثة الاقليمية في مواجهة بعضها البعض ولا يستبعد في الآن نفسه ديبلوماسية القوة بديلا عن الديبلوماسية الناعمة...

والملاحظ أن كل من الرئيس التركي أردوغان ورئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو يأخذان بالنموذج الذي يتعامل به الرئيس دونالد ترامب في الداخل الأميركي لجهة إلغاء خصومه وإبعادهم من الإدارة عبر الأوامر التنفيذية إن باتهامهم بالفساد أو بالتخاذل وهذا ما يتبعه حاليا أردوغان مع منافسه على الرئاسة رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو وكذلك نتنياهو بإقالة رئيس الشاباك رونين بار وهذا يعني أن المنطقة في الشرق الأوسط مقبلة على هزات داخلية عنيفة لا يستفيد منها سوى اللاعب الأميركي الذي يوجه رسائل باتجاهات مختلفة. ففي المواجهة مع الحوثيين يوجه رسالة إلى ايران بضرورة تدخلها لدى صنعاء لوقف الهجمات على السفن وناقلات النفط في البحر الأحمر. أما السبب الفعلي فهو الضرر الكبير الذي لحق بسفن الشحن الأميركية والإقتصاد الأميركي كون شركات التأمين فرضت أكلافا كبيرة عليها ما ألحق ضررا بها استفادت منه الصين تحديدا. ووفقا لمعلومات أميركية فإن المواجهة العسكرية الأميركية مع ايران غير مستبعدة إلا أن واشنطن تُؤثر عمليا التفاوض ورفع نسبة التوتر الداخلي في ايران نفسها بين من يريد أن يواجه وبين من يريد أن يفاوض. وبالطبع فإن طهران تدرس الخيارات ولا تستبعد أيا منها.

في سوريا تتوسع كل من تركيا واسرائيل في الجغرافيا السورية. الرئيس التركي أردوغان يدعو الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الإستفادة من تجربته في تركيا في الإستبعاد المتدرج للأتاتوركية من السلطة عبر ’’نظرية التمكين الأخوانية الإسلامية‘‘ فلا يذهب بعيدا في الخطاب الإسلامي المتطرف والسلفي وأن يعتمد لغة دولة القانون. غير أن واقع الحال لا يخدم هذا التوجه التركي ذلك أن ائتلاف التنظيمات الدينية يقوم على تفرّد كل تنظيم بجغرافيا معينة في دمشق مثلا وحصر النفوذ به كما أن الممارسات البشعة بحق باقي المكونات دفعها إلى أن تكون حذرة من سياسات السلطة وإلى وضع شروط على الإندماج وهذا ما كان عليه وضع الدروز ووضع الأكراد إضافة إلى أن الطائفة العلوية ترغب في حمايات دولية ومعها الطوائف المسيحية والشيعية والإسماعيلية. والإستنتاج أن المخرج في سوريا لن يكون إلا في دولة فيدرالية وتداخل نفوذ لقوى اقليمية ودولية. فمثلا نتنياهو لا يطمئن لا إلى تركيا ولا إلى التنظيمات الدينية المتطرفة بسبب تجربته مع ’’حماس‘‘ كما أنه لا يطمئن إلى قيام دولة مركزية محورية في المنطقة.

أين لبنان من كل ذلك؟

في لبنان كل الطوائف مأزومة. ما يكشف أن مشاريع الطوائف لا تبني دولة وهي عائق أمام محاولات الرئيس جوزاف عون الذي يشدّد على الوحدة الوطنية والعيش المشترك.

وإذا كانت هذه الطوائف المأزومة هي التي تفسّر كيف أن اللبنانيين يؤثرون أن يكون الرئيس من المؤسسة العسكرية التي تعبّر عن وحدة اللبنانيين، إلا أن الضغوط التي يواجهها لبنان حاليا على حدوده الشمالية والجنوبية وفي الحؤول دون إعادة البناء والإعمار إلا وفق شروط معينة. كل ذلك يدفع إلى استنتاج بأن ’’الفرج‘‘ ليس قريبا في لبنان رغم المساعي الحثيثة التي يبذلها الرئيس عون. ذلك أن البديل عن مشاريع الطوائف المأزومة هو في بناء وحدة داخلية تأخذ في الإعتبار كيفية العبور إلى وضع مستقر بقراءة موضوعية للمتغيرات وصراعات القوى الاقليمية والدولية. وهذا شأن ليس بالسهل والممكن.