أشار رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، خلال احتفاله بالذّبيحة الإلهيّة في كنيسة سيدة البشارة في الفرزل، بمناسبة عيد بشارة، إلى أنّ "البشارة هي دخول الله في تاريخ البشر بطريقة غير مسبوقة. عندما أرسل الله رئيس الملائكة جبرائيل إلى العذراء مريم، لم يكن ذلك مجرّد تبليغ رسالة، بل كان تدخّلًا إلهيًّا حاسمًا في تاريخ البشريّة"، لافتًا إلى أنّ "القدّيس كيرلس الإسكندري يقول: "في لحظة البشارة، لم تعد السّماء بعيدةً عن الأرض، بل صارت السّماء في أحشاء العذراء، وصار الإله إنسانًا لكي يؤلّه الإنسان".
وركّز على أنّ "هذا الحدث يذكّرنا بأنّ الله ليس إلهًا بعيدًا، بل هو القريب، هو "عمانوئيل" أي "الله معنا" (متى 1: 23). هذا الحضور الإلهي في وسطنا، يدعونا إلى إعادة النّظر في إيماننا، وإلى التّأمل في مدى استعدادنا لاستقبال الله في حياتنا كما استقبلته مريم في أحشائها الطّاهرة".
وشدّد المطران ابراهيم على أنّ "أعظم ما يلفتنا في البشارة هو موقف مريم. لم تسأل كيف ولماذا؟، بل سلّمت أمرها كليًا لله قائلة: "هَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ". (لوقا 1: 38). بهذه الكلمات، قلبت العذراء مريم موازين التّاريخ، لأنّها جعلت نفسها أداةً في يد الله، مقدّمةً مثلًا فريدًا للطّاعة في الإيمان"، مبيّنًا أنّ "الطّاعة هنا ليست مجرّد انقياد أعمى، بل هي ثقة مطلقة بمشيئة الله. وكما يقول القديس أغسطينوس: "لقد حَمَلت مريم المسيح في جسدها، ولكن قبل ذلك حملته في قلبها بالإيمان".
وتساءل: "ما هو موقفنا نحن أمام دعوة الله؟ هل نمتلك هذا الإيمان العميق الّذي يجعلنا نقول مع مريم: "ليكن لي بحسب قولك"؟ أم أنّنا نتردّد، ونضع شروطًا على دعوة الله في حياتنا؟"، معتبرًا أنّ "التّجسّد ليس مجرّد فكرة لاهوتيّة، بل هو الحقيقة الّتي تفسّر معنى الحياة البشريّة. لقد صار الله إنسانًا لكي يصالح الإنسان مع نفسه ومع خالقه. يقول القديس إيريناوس: "صار ابن الله ابن الإنسان، لكي يجعلنا نحن أبناء الله."
كما أشار إلى أنّ "هذه الحقيقة تعني أنّنا لم نعد عبيدًا للخطيئة، بل أبناء لله بالإيمان بيسوع المسيح (غلاطية 4: 7). هذه البُنُوَّة الإلهيّة تدعونا إلى التّغيير، إلى عدم الاكتفاء بحياة فاترة، بل إلى عيش المحبّة الحقيقيّة الّتي دعا إليها المسيح، لأن الله عندما تجسد لم يأتِ ليعلّمنا فقط، بل ليغيّرنا، ليجعلنا نشترك في طبيعته الإلهيّة (2 بطرس 1: 4)".
وأضاف ابراهيم: "في عالمنا اليوم، حيث يسيطر القلق واليأس، تُذكّرنا البشارة أنّ الله ما زال يعمل في التّاريخ، وأنّ رحمته تتخطّى كلّ حدود. إذا تأمّلنا في تاريخ الكنيسة، نجد أنّها عاشت عبر العصور تحدّيات كثيرة، من اضطهادات وصعوبات، ولكنّها بقيت صامدة لأنّها تأسّست على صخرة الإيمان والرّجاء".
ولفت إلى "أنّنا نتعلّم من البشارة: أنّ النّور أقوى من الظّلام، وأنّ صوت الله هو الأصدق وسط ضجيج العالم. إنّ سرّ البشارة لا يقتصر على حدث حصل منذ ألفي عام، بل هو حقيقة تطلب منّا أن نحياها يوميًا. وهذا يتمّ من خلال: الصّلاة العميقة، الطّاعة في الإيمان، الخدمة والمحبّة، والالتزام الأخلاقي والرّوحي".
وأكّد أنّ "سرّ البشارة هو دعوة مفتوحة لنا جميعًا لكي نكون أواني مختارة في يد الله، كما كانت مريم. فلنطلب شفاعتها، هي الّتي أطاعت الله بكل كيانها، لكي نستطيع أن نعيش الإيمان بفرح، ونشهد لمحبّة الله في هذا العالم".