إحتدم الصراع مؤخراً حول تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام فالأول يريد وصول كريم سعيد الى هذا المنصب بينما نواف سلام يفضّل إسماً آخر، وهنا بيت القصيد فمن المتوقّع أن تشهد جلسة مجلس الوزراء تعيين حاكم جديد إذا تم الاتفاق على الاسم.

"دخل الجميع في لعبة الأسماء لكنهم تناسوا الأهمّ الا وهو أن ما تحتاجه البلاد رؤية جديدة ماليّة ونقديّة". وهنا ترى الخبيرة في الشؤون المصرفيّة والمالية الاستاذة الجامعية سابين الكك أن "ما يجري اليوم في موضوع تعيين حاكم جديد هو مجرد معركة محاصصة وليست معركة اصلاح بمصرف لبنان، والعناوين التي يجري الحديث فيها هي الأسماء وهذا ليس المهمّ، فهل سمعنا اليوم مواصفات المرحلة المقبلة للمؤسّسة وليس الشخص"، معتبرةً أن "المشكلة هي في كيفية اعادة الثقة النقدية بعد أزمة العصر".

الهيكلة شرط أساس

"مصرف لبنان لا يُمكن النهوض فيه إلا إذا قبلنا وذهبنا الى مرحلة جريئة عنوانها إعادة هيكلة مصرف لبنان من قبل لجنة وليس من قبل شخص". هنا تعود سابين الكك لتشدّد أننا "نحتاج الى القبول أن المصرف المركزي يحتاج الى إعادة الهيكلة ويجب تشكيل لجنة لذلك ولوضع تعديلات على قانون النقد والتسليف والحدّ من تضارب الصلاحيات بين الحاكم والأعضاء إذ لا يمكن للأول أن يشغل منصبه ويكون رئيس هيئة التحقيق الخاصة في المصرف المذكور".

بدوره المتخصص بالرقابة القضائية على المصارف الدكتور باسكال ضاهر يشدّد على أن "هناك معايير لتعيين الحاكم أولها أنه يجب أن يكون رجل قانون وفقاً لتقارير البنك الدولي، وليكون مستقلاً يجب أن يكون بعيداً عن أسواق المال". ويلفت ضاهر الى أنه "وللنهوض بالمصرف المركزي من الواجب أولا إجراء تدقيق مالي شامل لجميع المصارف اللبنانية تشمل العمليات مع التواقيع والأشخاص المستعارين تجاهه سواء من خلال شركات تدقيق دوليّة أو من خلال لجان تحقيق مستقلة ومتخصصة، كما حصل في ايسلندا مع مراعاة فرديّة كل مصرف لجهة الملاءة والسيولة الداخلية والخارجية والاستثمارات التي يحوزها ،ومقاربتها بحجم كلّ المطلوبات لدى كلّ منها".

شروط النهوض

"من المفترض أيضا تحديد السياسات النقديّة التي ساهمت في الإنهيار المالي". هذا ما يشير اليه الدكتور ضاهر، لافتا الى أنه "يلزم ترتيب النتائج عن عمليات الترابح غير المشروع الّتي حصلت، وتحديد المصارف التي تواجه مشاكل في السيولة كما وإعادة هيكلة القطاع من خلال تحديد المصارف التي تشكّل تهديدا للنظام المالي ودمجها مع أخرى قوية سندا لأحكام القانون رقم 112 للعام 1993 المعدّل بموجب القانون 675 للعام 2005، الذي يمنح تحفيزات ضخمة للمصارف". وطالب "بإعادة رسملة المصرف عبر التمويل الذاتي وفرض إعادة الأموال التي حولت الى الخارج من قبل القطاع المصرفي والجهات المعرّضة سياسياً، وتلك التي وقع عليها تعريف "جرم التداول في الداخل". والتي حصلت بشكل استنسابي فاضح خارق لقاعدة المساواة".

ولفت الدكتور ضاهر الى أنه "يجب إعادة الفصل بين المصارف التجارية ومصارف الأعمال ومنع أي فئة من التداخل مع الأخرى تطبيقاً لأحكام المادة 121 معطوفة على 156 من قانون النقد والتسليف، كما وتنظيم القروض بما يضمن إستدامة النظام المصرفي مما يحافظ على السيولة النقدية إضافة الى أن المطلوب تقييم حجم الديون الخارجية والداخلية والتفاوض مع الدائنين، وإعتماد خيارات إعادة الهيكلة المنصوص عليها بكتلة المشروعيّة"، مشددا على أنه "خلافاً لما تمّ تسويقه منذ سنوات فإنّه لا يوجد في لبنان نقص تشريعي بل إنحراف تطبيقي وتمويه للنصوص، لذا فإن مهمة الحاكم إعادة الانتظام المالي والقانوني، والأخذ بعين الاعتبار تدهور الثقة الائتمانية"، إضافة الى "تعزيز الرقابة الماليّة وفق متطلبات منظمة العمل المالي FATF عبر إجراء تعديلات من خلال فصل هيئة التحقيق الخاصة عن حاكم مصرف لبنان، وتطبيق المادة 200 معطوفة على 206 من قانون النقد والتسليف، كذلك الشمول المالي بالتحوّل الرقمي والانفتاح على العملات الرقمية".

دور الحاكم

"ما يفترض أن يقوم به حاكم مصرف لبنان هو الاعلان عن اعادة الودائع الى أصحابها". هذا ما يراه الدكتور ضاهر، مشيرا الى أن "هذا سيؤدي لرفع منسوب الثقة الائتمانية وفق القواعد الدولية المعروفة الأمر الذي سيؤدي الى اعادة إستقطاب المال الدولي، كذلك وقف هرطقات مشاريع نقل الذمم المالية لانها تتناقض مع القوانين المصرفية، وأيضا قانون الموجبات والعقود الذي يلزم موافقة الدائن على هذا الطرح".

في المحصّلة الشرط الاساسي الذي يجب القيام به للنهوض هو طمأنة المودعين، لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي ومن ثم وضع خطة للمرحلة المقبلة...