لا يختلف اثنان على ان الهدف الاميركي بالنسبة الى لبنان كان واحداً، ان عبر الموفد الرئاسي الاميركي السابق آموس هوكشتاين، او مساعدة المبعوث الاميركي الحالي مورغان اورتاغوس، بحيث انه ولو اختلف جنسهما وحزبهما، الا ان المسار واحد وهو امن اسرائيل فوق كل اعتبار، والدفع نحو التطبيع العربي معها بأي وسيلة. وفي حين كان هوكشتاين يتّبع سياسة "الجزرة" اذ كان يغري المسؤولين اللبنانيين بالكلام المنمّق والوعود الفارغة التي سرعان ما كان يظهر انها كانت مجرد كلمات، يسجّل لاورتاغوس اللجوء الى مقاربة اخرى وهي "العصا" اذ انها تقول ما تريد من دون التفاف او تجميل، مستندة الى الضوء الاخضر الاميركي الممنوح لاسرائيل للقيام بكل ما تريده في لبنان، ومعتمدة على اجرام الاسرائيليين في تعاطيهم مع اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين وغيرهم... وهكذا، يكون اللبنانيون امام خيارين: اما الانصياع الى الرغبة الاميركية (ومن خلفها اسرايئل)، او اختبار مدى القدرة على رفضهم هذه الرغبة او الوقوف في وجهها، في ظل الضربات الاسرائيلية والتهديد بالعودة الى الحرب، مع فارق اساسي كبير وهو ان قدرة حزب الله ودعم ايران له حالياً، يشكلان اقل من نصف ما كان يتمتع به قبل الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان.

من هنا، يمكن فهم الاستعجال الاميركي لحصد المكاسب في لبنان، على الصعد كافة، لما فيه مصلحة اسرائيل اولاً، وبعض المصالح الاميركية في هذا البلد ثانياً، لضمان السيطرة على المقدرات الاساسية التي تمنع بشكل تام اي محاولة للحزب لاستعادة عافيته ودوره، وتقليص نفوذه الى الحد الادنى الممكن، وهو ما بدا واضحاً في الاجتماعات التي عقدتها اورتاغوس مع المسؤولين الرسميين وغير الرسميين. والاهم في الموضوع ان لبنان بات يتقبّل الفكرة، لانه عوضاً عن طرح اسئلة عن صلاحية اورتاغوس او غيرها للاجتماع بحاكم مصرف لبنان ووزراء ورؤساء احزاب وتيارات سياسية، اصبح الجميع متقبلاً للفكرة ولم تصدر اصوات عالية ترفض هذه التصرفات وتتحدث عن تهديد مثل هذه الاجتماعات واللقاءات لسيادة لبنان واستقلاليته. وما يهم اكثر، هو ولوج مسار التفاوض مع اسرائيل (ولو بشكل غير مباشر حالياً) حول بعض الامور التي كانت من المحرّمات، ما يمهّد في وقت ليس ببعيد، الى التعاطي بشكل طبيعي مع التفاوض المباشر معها، تحت ذريعة تحصيل الحقوق اللبنانية.

واذا كانت اورتاغوس تدفع بهذا الاتجاه، فإن السؤال المطروح يكمن في ثقة لبنان بالحصول على ما يريده، في حين ان لاسرائيل حالياً الكفة المرجحة، فكيف للبنان ان يفرض ما يريد، اذا كان عاجزاً عن صد الاعتداءات الاسرائيلية عليه في المقام الاول، واذا كان "حائط المبكى" بالنسبة اليه (اي الادارة الاميركية) من هواة تفضيل اسرائيل بشكل اعمى، على اي بلد آخر ولبنان لايشكل في هذا المجال اي استثناء؟ ليس من المنطقي ان تفهم اورتاغوس طبيعة السياسة اللبنانية، ولا مطالبها، ولا التحديات التي يواجهها البلد على اكثر من صعيد، ولكنها ابلغت كل من التقت بهم فحوى الرسالة التي ارادت الادارة الاميركية ان توصلها الى الجميع في لبنان، ومفادها: نفذ ثم اعترض، لان الاعتراض اما ان يكون لواشنطن (والنتيجة معروفة سلفاً)، واما للمجتمع الدولي الذي لم ينجح في الوقوف يداً واحدة في وجه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كسر كل قرارات الامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، والنتيجة هنا ايضاً معروفة سلفاً.

وفي ما خصّ التنفيذ، فهو لا يحتمل التأويل او التحليل، ومفاده انه يجب انهاء الجناح العسكري لحزب الله، والعمل على ضبط جناحه السياسي بحيث يبقى بعيداً عن القرارات المهمّة في الدولة، وإلا يجب تذوق طعم العصا مجدداً. وعلى الرغم من كسر ايّ فكرة للتوجه شرقاً، لا يبدو الغرب متحمّساً لمساندة لبنان، قبل ان يتم الحديث مع اسرائيل.