لا تشبه الفترة السياسية الحالية، ما سبقها من مراحل لبنانية ماضية، منذ ما بعد اتفاق الطائف، لغاية الحرب الاسرائيلية الأخيرة. وبالتالي فإنّ القياس بأدوات ما قبل هذه الحرب، لا يستقيم حالياً مع الوقائع، ولا يقدّم نتائج عملية وعلمية.
يمكن إستبيان ذلك من حجم ونوعية التعاطي الدولي، غربياً وعربياً، مع لبنان، وما عبّرت عنه ايضاً المبعوثة الاميركية مورغان اورتاغوس في لقاءاتها السياسية في بيروت خلال اليومين الماضيين. هي لم تحمل تهديداً ولا وعيداً، لكنها اعادت طرح المعادلة الجوهرية المتعلقة بسلاح "حزب الله"، بإسم بلادها الراعية والضامنة اولاً لوقف الحرب، وثانياً لاعادة استنهاض لبنان، بمؤسّساته وإداراته وماليته واقتصاده وعناوين حياته. علماً ان اورتاغوس اطّلعت على الاجراءات الإصلاحية اللبنانية لتسأل: متى التنفيذ؟
تسعى الولايات المتحدة الاميركية علناً، ومعها الدول الأوروبية والعربية ضمناً، لإخراج لبنان من دوّامة الأزمة القاتلة التي يعيش فيها، والتي تنعكس سلباً على كل اولويات اللبنانيين، بدءاً من الاقتصاد والمال، وصولاً إلى الادارة وتسيير شؤون المواطنين، وما بينهم عنصر رئيسي يحدّد كلّ اتجاهات البلد: الأمن، المرتبط بسلاح الحزب.
بالنسبة إلى كل عواصم العالم: لا حل لأي ازمة في لبنان، لا في اعادة الإعمار، ولا بالاقتصاد، ولا بالإصلاح المالي، ولا بإنقاذ القطاع المصرفي او المساهمة بحل ازمة الودائع، من دون حل ازمة السلاح. ستكون القوانين الإصلاحية المالية ضرورية، ومدخلاً طبيعياً لأي مؤازرة دولية. لكن الاميركيين حدّدوا نقطة الإرتكاز الأساسية التي تدور حولها أطر التعاطي مع لبنان: موضوع السلاح. رغم ان اورتاغوس لم تضع سقفاً زمنيا، لأن السقف يحدده اللبنانيون وحدهم: هل يريدون حلولاً لازماتهم؟ هذا السؤال سبق وسمعه اكثر من مسؤول لبناني زار عواصم غربية وعربية: جاهزون لمساعدتكم بعد حل موضوع السلاح.
من هنا كان قرار رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي حدّده في خطاب القسم، لجهة تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح، والدعوة الى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة، كجزء من استراتيجية أمن وطني.
لكن ماذا عن الحكومة؟ لم تقدّم مشروع خطة استراتيجية واضحة بعد، واستمرت بوصفها "حكومة نظريات"، بإستثناء خطوات لرسم قوانين تُحيلها إلى المجلس النيابي حالياً، بينما المطلوب منها داخلياً و دولياً ان تكون حكومة عمل لحل القضايا الاستراتيجية العالقة.
على مستوى القوى السياسية، لم تقدّم القوى السياسية الوازنة مشاريع جدّية على هذا الصعيد، وكأنها تكرّر ما فعله قياديو "الحراك المدني" و"قوى الثورة" منذ عام 2019، لناحية تجنّب اثارة ازمة السلاح، تحت عنوان "تفادي الإصطدام مع حزب الله"، او لإعتبارات لها علاقة بالحراك في بيئة الحزب، لعدم الاستفزاز وضمان الآمان في تلك البيئة، والرهان على جذب أبنائها إلى "الحراك"، وهي فرضيات اثبتت فشلها. فيما كانت مجموعات الحراك تعارض المصارف، بإعتبارها المساحة الأسهل، وهي تخضع للإبتزاز المالي. لا تزال بعض المجموعات تتصرف على هذا الاساس لا غير.
الفارق ان اجهزة غربية كانت تدعم تلك المسارات التي اتّبعتها قوى الحراك المدني، لكن لم يعد بالإمكان الآن التركيز على ذات العناوين، وتجاهل الحل المطلوب بشأن اتفاق اللبنانيين على معالجة ملف السلاح. وهو ما أتى في صلب لقاءات اورتاغوس في لبنان. وبحسب الاميركيين، سيكون لبنان آمناً يتفرغ لبناء اقتصاده ويعزّز وحدته الوطنية الداخلية، لأن الآوان آن كي ينهض لبنان معتمداً على جيشه وقواه الشرعية في حفظ امن بلاده والمساهمة في ضبط إيقاع المنطقة.