طوال الأسابيع الماضية، طُرحت الكثير من السيناريوهات، التي تتحدث عن إحتمالات الصدام التركي الإسرائيلي في سوريا، لا سيما بعد الغارات الجوية التي قامت بها تل أبيب، متسهدفة مطارات قيل أن أنقرة تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية فيها، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان، خلال إستقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، واضحاً في رسم المسار الذي يريده، متحدثاً عن أن ضرورة حل أي مشكلة بين الجانبين بـ"عقلانية".
في هذا السياق، ما ينبغي التوقف عنده في هذا المجال هو حديث ترامب، للمرة الثانية، عن دور تركيا في سوريا الجديدة، أي في مرحلة ما بعد الرئيس السابق بشار الأسد، بالرغم من نفي الرئيس رجب طيب أردوغان، بحسب ما أعلن الرئيس الأميركي، ذلك، الأمر الذي من الممكن وضعه في إطار أن "المخرج" لا يريد الحديث مع "الكومبارس"، بل يريد إنهاء أي مشكلة من خلال التواصل مع "الأبطال" مباشرة.
على الرغم من ذلك، قد يكون من المبكر الحديث عن أن الرئيس الاميركي وضع الملامح الأخيرة للمشهد السوري، نظراً إلى أن الأمور لا تزال مفتوحة على الكثير من الإحتمالات، التي من المفترض أن تأخذ بعين الإعتبار مصالح القوى الخارجية المؤثرة، بالإضافة إلى واقع السلطة الجديدة التي لا تزال تواجه مجموعة واسعة من التحديات.
في هذا الإطار، تلفت مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الدورين التركي والإسرائيلي، بالنسبة إلى ترامب، يلتقيان عند هدف محدد، هو إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، الّذي يتحضر لإنطلاق مرحلة المفاوضات معها في نهاية الأسبوع الحالي، حيث ترى أن من الضروري التوقف عند نقطتين بارزتين: الأولى هو أن مواقف الرئيس الأميركي جاءت بالتزامن مع تسريبات إسرائيلية، تشير إلى إمكانية التفاهم على تقاسم النفوذ مع تركيا، بشكل يأخذ بعين الإعتبار مصالح واشنطن وموسكو معاً، أما الثانية فهي أنها جاءت بالتزامن مع تسريبات أميركية، تؤكد أن إدارة ترامب لا تزال غير راضية عن تركيبة السلطة الجديدة في سوريا.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذه التسريبات، بالإضافة إلى ما أدلى به ترامب، من المعطيات التي تؤكد الرغبة في التعاون بين الجانبين، من ضمن مخطط يقوم على أساس حفظ مصالح الجميع على الساحة السورية، تحت عناوين مختلفة أهمها شعارات محاربة الإرهاب، حتى ولو كانت أنقرة لا تزال ترفض، في العلن، ما يُطرح من مشاريع فيدرالية أو تقسيمية، من منطلق تداعيات ذلك على واقعها الداخلي، لافتة إلى أن بعض الجهات العربية كانت قد عملت، في الأسابيع الماضية، على الترويج أيضاً لسرديات تتحدث عن غضب تركيا من أداء الرئيس السوري أحمد الشرع، تحديداً بالنسبة إلى الإنفتاح على الدول العربية.
هنا، قد يكون من الضروري البحث في واقع السلطة الجديدة في سوريا، التي لم تستطع إقناع باقي المكونات السورية بالإنضمام إلى مشروعها، حيث تم رفض الإعلان الدستوري والحكومة الجديدة من قبل المكونين الدرزي والكردي، في حين أن المجازر في الساحل كانت قد زادت من الشرخ مع المكوّن العلوي، لا بل من أن بعض الأصوات داخل المكون السني بدأت ترتفع، واضعة مجموعة واسعة من الملاحظات حول طريقة عملها، من منطلق أنها لن تقود إلى رفع العقوبات، كما أنها لن تساهم في الحفاظ على وحدة البلاد.
في هذا المجال، ترى المصادر المتابعة أنّه يجب البحث في واقع هذه السلطة من زاوية مختلفة، تكمن بأن الشرع يواجه مجموعة من التحديات، ترتبط بالسعي إلى حصوله على الشرعية الدولية، التي من الممكن أن تؤدي إلى إنشقاقات في صفوف التكتلات المتحالفة معه، أبرزها الشروط التي تُطرح من قبل بعض الجهات الدولية، أبرزها الولايات المتحدة، ومنها مسألة المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى عنوان آخر، يدرك الجميع أنه من أدوات الضغط لا أكثر، يتعلق بضمان تمثيل الأقليات والحفاظ على حقوق الإنسان.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، ما تقدم يدفع إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول ما إذا كان الشرع نفسه، في ظل كل هذه التحديات والتقاطعات الداخلية والخارجية، قادر على أن يكون رجل التسوية الكبرى المنتظرة، حيث تلفت إلى أن التعامل معه لا يزال، حتى الآن، من منطلق أنه الأكثر قدرة على تأمين الحد الأدنى من الإستقرار، الذي تحتاجه الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة، لكن الإعتماد عليه، بالنسبة إلى ما هو أبعد من ذلك، لا يزال يتطلب الكثير.
في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى أن ترامب، الذي يفكر أيضاً في سحب قواته من سوريا، وضع ما يمكن وصفه بالخطوط العريضة لما يريده، أي منع الصدام بين الحليفين، لكنها تشدد على أن ترتيبات المشهد الداخلي في سوريا لم تتضح بعد، بإنتظار المزيد من المعطيات التي تحتاج إلى أن تتضح أكثر.